الشحر.. حديث التأريخ والإنسانية
محمد باعاصم

استطلاع وتصوير/ محمد باعاصم

     سعاد الزبينة او ((مدينة الشحر)) لمن لا يعرفها فهي مدينة ساحلية تقع على ساحل البحر العربي إلى الشرق من مدينة المكلا ، وتبعد عنها بنحو ( 62كم)..والشحر اسم يطلق على ساحل حضرموت ويطلق عمومًا على جهة الساحل بالنسبة لسكان وادي حضرموت أو (حضرموت الداخل ) كما عرفت بعدة أسماء أخرى منها ( سمعون ) نسبة إلى وادٍ يسمى سمعون كان أهلها يشربون من آباره ، واسم (الأشجار) ، وسميت الأشجار نسبة إلى القبائل التي كانت تسكنها من المهرة والذين كانوا يسمون (الشحرا) وكما سميت باسم (الأحقاف) ، والأحقاف هي الرمال ومفردها حقف، إلا أن اسم الشحر طغى مؤخرًا على تلك الأسماء كلها.

   وقد كانت مدينة الشحر مسورة حيث يحيط بها سور من الجهات البرية منها تحاشيًا لأي هجوم يقع عليها من القبائل المجاورة لها و لكن تم تدميرها من قبل البرتغاليين الذين سيطروا على الطرق التجارية البرية بين الهند والبحر الأحمر للفترة الممتدة من مطلع القرن السادس عشر إلى النصف الأول من القرن السابع عشرالميلادي وظلوا خلال فترة سيطرتهم على الطرق التجارية البحرية.

   إن مدينة الشحر جميلة جداً بمناظرها الخلابة وأزقتها الصغيرة وتفاصيل بيوتها ذا الطابع الهندسي المبدع وعندما تنظر لألوان بيوتها المتواضعة فإنك ترى تلك الألوان الصديقة للبيئة والمريحة للعين وترى نظافة شوارعها الفسيحة وماتعكسة من جمال الطبيعة الخلابة .

    إن أهالي مدينة الشحر عُرفوا بالكرم والجود وتعاملهم الودود لزوار المدينة المسالمين، ترى السعادة والسرور في وجوههم المبتسمة واعينهم المليئة بالفرح عند قدوم زوار لمدينتهم الجميلة فهم يستقبلون ضيوفهم بالابتسامة المرتسمة على اوجههم.

  "الشحر" كغيرها من المدن الحضرمية التاريخية التي لها تاريخ قديم ومشرف ولها معالم وآثار حضارية تعكس للحضارات القديمة اذكر من هذه الآثار والمعالم.

    سور المدينة

يعود تاريخ بناء آخر سور للمدينة إلى عهد السلطنة القعيطية واستمر بناؤه عشرين عاما خلال الفترة 1868-1888 ميلادية )، وكان يحيط بالمدينة من جهاتها الثلاث ، ومفتوح من الجهة المطلة على البحر ،يبلغ طوله حوالي ( 3,3 كم ) ومحيطه يصل إلى ( 10.297 قدمً ا) ، ويبلغ ارتفاعه ( 5.7 متر ) ويصل سمكه إلى ( 1.20 متر ) شيدت بأطرافه وزواياه ست قلاع دفاعية ضخمة ترتبط بالسور ، ومن تلك القلاع اثنتان أقيمتا على الأطراف الجنوبية للسور الممتدة إلى مياه البحر بمسافة ( 400 ياردة ) من الشاطئ واثنتان أقيمتا على الشاطئ داخل السور تقع إحداهما إلى شرق المدينة والأخرى إلى غربها..أما الاثنتان الباقيتان فقد أقيمت واحدة على الزاوية الشمالية الغربية والأخرى في شمال المدينة إلى الشرق من البوابة الشمالية بمسافة ( 200 متر ) تقريبًا .

     وشيدت على السور أربعة وثلاثون برجًا دفاعيًا تسمى باللهجة الحضرمية (كوت) وجمعها (أكوات)، وأضيفت إلى تحصينات السور قلعة دفاعية في الثلاثينات من هذا القرن ، أقيمت على السور في الجهة الشرقية وللسور بوابتان رئيسيتان ، الأولى في الجهة الغربية منه ويطلق عليها سدة الخور سدة باللهجة الحضرمية تعني البوابة والأخرى في الجهة الشمالية يطلق عليها سدة العيدروس ، كما فتحت في السور إضافة إلى البوابتين الرئيستين ست بوابات فرعية صغيرة وزعت على محيط السور ترتبط بالقلاع الست الدفاعية الضخمة التي سبق ذكرها من خلال ممر سعته قدمان ونصف يحمي السائر فيه جدار بارتفاع ( 1.7 متر) ، كما شيدت أجزاء السور المقامة على مجرى وادي سمعون الذي يخترق المدينة من الأحجار والجص بهيئة بوابات تعلوها مغلقة بأعمدة حديدية .

     وقد تهدمت القلاع الست الخارجية ولم يبق لها أي أثر ماعدا قلعة واحدة هي قلعة الزاوية الشمالية الغربية فالجزء المتبقي منها هو قاعدتها ( أساساتها ) مع الممر والبرج المقابل لها بالسور ، وهذه الأجزاء مطمورة اليوم بالرمال ، كما تهدمت معظم أجزاء السور ولم يبق منه سوى جزء صغير إلى الشرق من البوابة الشمالية وهو الآن آيل للسقوط ، وهناك أيضًا بعض الأبراج الدفاعية مازالت قائمة وبعضها قد اندثرت ، أما الجزء المبني بالحجارة على مجرى وادي سمعون فمازال قائمًا .

    بوابة (سدة العيدروس)

البوابة الشمالية ( سدة العيدروس ) : وتمثل هذه البوابة أنموذجًا فريدًا لبوابات المدن اليمنية الإسلامية ، وقد سميت سدة العيدروس نسبة إلى مسجد العيدروس القريب منها ، يتكون مبنى هذه البوابة من ثلاث أدوار .

    الدور الأرضي : يشتمل على المدخل الذي يصل اتساعه إلى حوالي ( 2.50 متر ) وارتفاعه ( 4.50 متر، يغلق هذا المدخل باب خشبي سميك ذو مصراعين متساويين ، أبعاد كل واحد منهما ( 1.5x 3 مترات ) غطيت واجهتيها بصفائح حديدية مثبتة بمسامير ضخمة ، وفي أحد المصراعين مدخل صغير يغلق عليه باب كان مخصصًا للمشاة ويوجد جناحان مبنيان إلى يمين ويسار المدخل ، يتكون كل واحد منهما من غرف وأروقة إضافة إلى السلالم التي تصعد إلى الدور الثاني والثالث.

   الدور الثاني : يحتوي على غرفة واسعة تقع على سقف البوابة في وسط المبنى ، وفي الجناحين المحيطين بها أربع غرف وحمامان ، في كل جناح غرفتين وحمام ، وكان جناحا هذا الدور مرتبطين بمدخل يصل إلى سطح السور الذي انفصل فيما بعد عن البوابة بسبب اندثاره .

    الدور الثالث : أقيمت فيه غرفتان للمراقبة في زاويتيه الغربية والشرقية إضافة إلى جدار يدور حول سقف المبنى بارتفاع ( 1,50 متر) ، ومبنى البوابة عمومًا قوامه اللبن والحجارة والنورة الجص ،ولازال حتى اليوم مجصصًا بالنورة ، ويبدو بذلك تحفة معمارية رائعة ، ويستغل مبنى البوابة اليوم كإدارة للإعلام ، ومكتب لهيئة الآثار والمتاحف والمخطوطات .

    حصن بن عياش التاريخي:

   هو حصن قديم يوجد بمدينة الشحر وقد بني الحصن على مصطبة مرتفعه على أرضية في ساحة السوق يصل ارتفاعها إلى (3,50متر)حصن المصبح الذي لايعرفة البعض من اهالي مدينة الشحر ثم سكنه بن عياش فسمي بحصن بن عياش وفي عهد الدولة البريكية في الشحر انشأ الأمير على بن ناجي بن بريك الأول عام 1182هـ حصناً على أنقاض حصن بن عياش بالشحر وعرف بحصن بن عياش .

    وقد بني هذا الحصن من الحجارة واستخدمت مادة النورة لربطها ، ويذكر بعض من عاصروا البناء من الأهالي أن عجين النورة مزج بالسكر الأحمر المذاب في الماء حتى يعطي للنورة قوتها وصلابتها ، ولعملية المزج هذه أقيمت ثلاثة عشرة دائرة تعمل فيها الخيول والجمال لعجن النورة بالسكر المذاب في الماء ، ومازالت آثار تلك الدوائر واضحة المعالم في ساحة السوق اليوم أمام الحصن .

   وقد أقيم الحصن على مصطبة مرتفعة عن سطح ساحة السوق يصل ارتفاعها إلى ( 3.50 متر ) ، يتم الصعود إليها عبر طريق في الجهة الشمالية على هيئة درج متسعة ويتميز هذا الحصن بشكلة الهندسي الرائع والمتناسق في التصميم ويحتوي على أبواب كبيره ونوافذ ذات اشكال قديمة وقوية مصنوعة من الخشب المتين الذي زادت هذا الحصن جمالاً وهيبة ولتي تدل دلالة واضحة على ان الحصن بني ليكون مقراً عسكرياً حصيناً وترسانة عسكرية وحربية، وفي الجهة الشمالية للحصن يوجد المدخلان الرئيسيان للحصن المكون من دورين .

    "كما يوجد في هذا الحصن المنيع ساحة فسيحة بها أشجار متنوعة نمت في وسط هذا الحصن ، ويوجد مجسم جميل جداً وبسيط لمدينة الشحر وعندما تنظر اليه كأنك تأخذ نزهة صغيرة للمدينة كاملة لانه يضهر تفاصيل المدينة وأزقتها وشوارعها" الدور الأول فيه غرفة صغيرة واروقة، والدور الثاني الذي لم يكتمل بناءه حيث رفعت جدرانه الى ارتفاع المترين تقريباً، كما يوجد هناك سراديب كبيرة ذات اسقف عالية وممرات ضيقة وفتحات تهوية على ارتفاع الحصن، وقد استخدمت هذه السراديب قديما لتخزين المؤن وذلك لمواجهة الازمات كما يوجد اسفل الحصن نفق عميق حالك الظلمة مجهول الوجهة.

متعلقات