افعال يوم الجمعة
موضوع

     إن ليوم الجمعة مكانةً كبيرة؛ فهو يومٌ يختص بكثيرٍ من الفضائل؛ ومنها صلاة الجمعة وخطبتها، فيحرص المسلمون على الاجتماع لأداء صلاتها، وينبني على هذا الاجتماع الكثير من الآثار العظيمة؛ حيث يتعارف فيها المسلمون، ويتعاونون على البر والتقوى، ويستمعون لخطبة الجمعة وعظاتها الطيبة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتعلّمون أمور دينهم خاصة إذا أوْلى الخطباء العناية بخطبهم، ويتناصحون فيما بينهم بالخير، ويعرّف لفظ الجمعة في اللغة والاصطلاح بما يأتي:

   الجمعة لغةً: تعرّف الجمعة في اللغة بأنّها ضمّ الشيء إلى بعضه وجمعه، وجمعها جُمَع بضمّ الجيم وفتح الميم، أو جُمُعات بضمّ الجيم والميم، وتُقرأ على ثلاث قراءات؛ هنّ: الجمُعة بضمّ الميم كما اشتُهر، والجمَعة بفتح الميم وتدلّ على صفتها من حيث اجتماع الناس مع بعضهم البعض، والجمْعة بتسكين الميم؛ تخفيفاً.

   الجمعة اصطلاحاً: يومٌ من أيام الأسبوع يتميّز بصلاةٍ خاصّةٍ تسمى صلاة الجمعة. تسمية يوم الجمعة كان يوم الجمعة يسمّى في الجاهلية بيوم العروبة، ثمّ سُمي بيوم الجمعة على اختلافٍ في وقت تسميته؛ فقيل إنّه سمّي بذلك قبل الإسلام، وكان من سمّاه كعب بن لؤي، حيث كان يوماً يجتمع فيه مع قريش ويعظهم ويخطب بهم، وقيل إنّه سمّي بذلك بعد الإسلام، ويعود سبب تسمية يوم الجمعة إلى عدّة أقوالٍ مختلفةٍ ومتعدّدةٍ، وهي:

     القول الأول: إن الله -تعالى- خلق آدم -عليه السلام- فيه. القول الثاني: فيه جمعٌ وفيرٌ من الخير والبركة. القول الثالث: فيه اجتماع الناس لأداء صلاة الجمعة في المكان الجامع لها.

   القول الرابع: جمع الله -تعالى- آدم -عليه السّلام- مع حوّاء في الأرض يوم الجمعة. القول الخامس: إنّ كمال الخلق كان قد جُمع فيه. القول السادس: لأنّ أسعد بن زرارة كان يجتمع فيه مع نفرٍ من الأنصار يذكّرهم ويرشدهم.

   سنن ومستحبات يوم الجمعة يستحبّ للمسلم في يوم الجمعة أداء بعض الآداب، ومنها: أن تكون هيئته نظيفةً؛ وذلك بقصّ الأظافر، ونتف الإبط، وهذا من السّنن باتفّاق الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية.

  الاغتسال في ذلك اليوم، ودليل ذلك قول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (من غسَّل يومَ الجمعةِ واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركبْ، ودنا من الإمام، واستمع، وأنصت، ولم يَلْغُ، كان له بكلِّ خطوةٍ يخطوها من بيتِه إلى المسجدِ، عملُ سَنَةٍ، أجرُ صيامِها وقيامِها)، وهو سنّةٌ مؤكدّةٌ، إلّا من احتلم أو علقت به رائحة كريهة تؤذي الناس فالحكم في هذه الحالة الوجوب، ويمتدّ وقت الاغتسال من حين طلوع فجر الجمعة إلى ما قبل أداء صلاة الجمعة، والمستحبّ في ذلك أن يكون الاغتسال في وقتٍ متأخرٍ قبل الذهاب إلى صلاة الجمعة.

  استخدام السّواك؛ وهو عودٌ صغيرٌ أو ما شابه يستعمل لإزالة ما علق بالأسنان، ومن السّنة استخدامه يوم الجمعة بإجماع الفقهاء الأربعة.

  استعمال الطيب، وهو من أحبّ الأمور إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ويسنّ التّطيب يوم الجمعة للرجال خاصّةً عند الذهاب إلى صلاة الجمعة، حيث يجتمع غالب المسلمين في المساجد، وموضع التطيّب يكون في اللحية والرأس، ويجوز التطيب بالمسك والبخور، أو أيّ نوع طيبٍ تحصل به الرائحة الجميلة، والأفضل التطيّب بالمسك.

    ارتداء أفضل الثياب وأنظفها وأجملها؛ اقتداءً بفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-،[١٢] وهناك محلّ اختلافٍ بين الفقهاء من حيث اللون، وفيما يأتي بيان آرائهم:

   الشافعية والحنفية: قالوا إن الأفضل ارتداء الثياب ذات اللون الأبيض. المالكية: ذهبوا إلى أن المندوب ارتداء اللون الأبيض، وإن وافق يوم الجمعة يوم عيدٍ أو نحوه فالأفضل ارتداء اللباس الجديد وإن لم يكن أبيضاً، وإن خرج المسلم يوم العيد لأداء صلاة الجمعة فيُندب الأبيض، ويكون بذلك قد جمع بين بالأمرين. الحنابلة: يُندب ارتداء اللون الأبيض فقط يوم الجمعة. الذهاب مبكّراً إلى صلاة الجمعة، ودليل ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-:

    (إِذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، كانَ علَى كُلِّ بَابٍ مِن أبْوَابِ المَسْجِدِ المَلَائِكَةُ، يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وجَاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).

   الإكثار من الصلاة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في يوم الجمعة وليلته، وللصلاة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الفضائل العظيمة، فيما يأتي ذكرٌ لبعضها:

    نيل فضل صلاة الله عشر مراتٍ على المصلّي على النبي مرةً. العلوّ في درجات الجنان عشر درجاتٍ. استجابة الدعاء. نيل عشرة حسناتٍ ومحو عشرة سيئاتٍ. نيل شفاعة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والقرب منه يوم القيامة. مغفرة الله -تعالى- لخطايا وذنوب المصلّين على النبي. حصول البركة في شتّى مناحي حياة المصلّي. الفوز برحمة الله -تعالى- في الدنيا والآخرة. الجمع بين أنواع الذكر، وبالتالي نيل المزيد من الأجر. سببٌ لكفاية المسلم همومه وغمومه. 

       تلاوة سورة الكهف؛ فتلاوتها مستحبّةٌ يوم الجمعة ودليل ذلك قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قرَأَ سورةَ الكَهفِ يومَ الجمُعةِ سطَعَ له نورٌ من تحتِ قَدَمِه إلى عَنانِ السماءِ يُضيءُ به يومَ القيامةِ، وغُفِرَ له ما بينَ الجمُعَتَينِ)،[١٩] ويكون وقت تلاوتها كلّ يوم جمعة سواءً في اليوم أو الليلة.

                               ((ما الحكمة من قراءة سورة الكهف يوم الجمعة)).

    يستحبّ من المسلم التّوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء والإكثار منه، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: فيه سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئاً، إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ وأَشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا).

        مكروهات الجمعة يُكره على المسلم الإتيان ببعض الأمور يوم الجمعة، وقد يقع فيها البعض بسبب عدم معرفتهم بها، ومن تلك المكروهات:

     إيذاء بعض المصلّين وتجاوزهم. عدم إفساح الطريق للمصلّين وحجز الأماكن وأخذ مكان أحد المصلّين؛ فالمسجد مكان الناس جميعاً لا فرق بينهم في ذلك. تشبيك المصلّي لأصابعه في طريقه لأداء الصلاة، أو في المسجد حين انتظار بدء الصلاة أو أثنائها لأنّ حكمه حكم المصلي، أمّا حين الانتهاء من الصلاة فلا بأس أو حرج من التشبيك، وتندرج فرقعة الأصابع تحت مكروهات الجمعة كذلك وتتبع تشبيك الأصابع، فكلا الأمرين حاصلهما العبث والتلهي في الصلاة. فتح المحالّ بجميع أنواعها لبيع الناس، والبيع يوم الجمعة قد اختلف العلماء في حكمه، وبيان الخلاف فيما يأتي:

    القول الأول: لا يصحّ البيع وقت النداء لصلاة الجمعة كما صرّح بذلك الإمام مالك وأحمد ودواد والثوري. القول الثاني: ذهب جمهور العلماء إلى القول بجواز البيع وقت النداء للصلاة مع الكراهة. وقت يوم الجمعة يبدأ وقت يوم الجمعة من حين غروب شمس يوم الخميس إلى حين غروب شمس يوم الجمعة، فاليوم هو عبارة عن وحدةٍ زمنيّةٍ تقدّر بأربعةٍ وعشرين ساعةً، ويبدأ من غروب الشمس في اليوم الأول إلى غروبها في اليوم التالي، أو من طلوع الفجر في اليوم الأول إلى طلوع فجر اليوم التالي، وقد يطلق أحيانا ويُراد به مقابل الليل؛ أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما في الصيام، فاليوم في الشّرع تتعلّق بدايته ونهايته بحسب الأحكام والأمور المتعلّقة به.

    فضل يوم الجمعة تتعدّد وتتنوّع الفضائل العظيمة الخاصّة بيوم الجمعة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضٍ منها:

     أكثر الأيام خيراً؛ حيث طلعت الشمس فيه، وفيه خُلق آدم -عليه السلام- وأُدخل الجنة، وأُخرج منها، وقيام الساعة يكون يوم الجمعة، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ).

     ميّز الله -تعالى- المسلمين بيوم الجمعة. استجابة الله -تعالى- لدعاء المسلم في هذا اليوم، ففي يوم الجمعة ساعةٌ يستجاب فيها دعاء المسلم، رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: فيه سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئًا، إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ وأَشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا).    

    اختصاص يوم الجمعة بصلاة الجمعة فيه، ففيها يجتمع معظم المسملين، ويخطب الإمام فيها خطبةً مهمّةً يذكر ويعظّم فيها اسم الله كثيراً، ويشهد له بالانفراد بالعبادة، كما تجتمع في يوم الجمعة الكثير من العبادات؛ كقراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر، وسورتي الأعلى والغاشية في صلاة الجمعة، إضافةً إلى الإكثار من أدء النوافل وذكر الله، ويكون فيه هداية الناس وإرشادهم للخير. مغفرة ذنوب وخطايا المسلم المؤدّي صلاة الجمعة.

                                      صلاة الجمعة

    حكم صلاة الجمعة صلاة الجمعة فرض عينٍ، لا يجوز تركها أو الانشغال عنها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وتجب صلاة الجمعة على من توافرت فيه الشروط الآتية:

 الإسلام، فلا تُقبل الصلاة من الكافر.

البلوغ. العقل؛ فالمجنون غير مكلّف. الحرية، فالعبد أو المملوك لا تجب عليه صلاة الجمعة. الذكورة، فلا تجب الجمعة على المرأة.

 التواجد والإقامة في المكان الذي تُقام فيه الجمعة.

انتفاء الأعذار المسقطة لصلاة الجماعة، وإمّا أن تكون الأعذار عامةً أو خاصةً، ومن الأعذار العامة:

المطر الشديد الذي يمنع من الخروج، والبرد أو الحرّ الشديدين، والظلام الشديد، ويُذكر من الأعذار الخاصة: المرض الذي يمنع من الخروج من المنزل، والخوف على النفس أو المال أو الأهل، ومدافعة أحد الأخبثين البول أو الغائط ويُضاف إليهما الريح، ومن الأعذار الخاصة أيضاً الأكل الذي تصدر منه رائحةٌ كريهةٌ.

                                      شروط صحة صلاة الجمعة

    تكمن مشروعيّة صلاة الجمعة في أنّها تعمل على توطيد العلاقات بين المسلمين، وتعمل على اجتماعهم وتآلفهم، فيجتمعون للجمعة في الحيّ نفسه، وقد يجتمعون في البلد الواحد عند أدائها، كما أنّ صلاة الجمعة تفعّل دور الصدقة؛ حيث يتعرّف المصلّون على الفقراء والمحتاجين، وتؤدي إلى توحيد المسلمين في صفوفٍ متماسكةٍ، كما أنّها تزّكي النفوس وتهذبّها.

                                                      وقت صلاة الجمعة

           يبدأ ميعاد صلاة الجمعة عند انتهاء الزوال* إلى أن يصبح ظلّ الشيء مثله، ومن بدأ بالصلاة وأدرك ركعةً منها قبل أن ينقضي وقتها فهو بذلك يكون قد أدرك صلاة الجمعة كاملةً، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ)، أمّا من لم يدرك ركعةً قبل انقضاء الوقت فبذلك عليه أن يصلّيها ظهراً؛ لأنّ وقتها انقضى.

                             كيفية أداء صلاة الجمعة

   تؤدّى صلاة الجمعة ركعتين، وتكون القراءة فيهما جهريّةً، وذلك اقتداءً بسنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبحسب إجماع أهل العلم، فيقرأ الإمام في الركعة الأولى سورة الفاتحة، ويسنّ أن يتبعها بسورة الجمعة أو سورة الأعلى، وفي الركعة الثانية سورة الفاتحة تليها سورة المنافقون أو سورة الغاشية، اقتداءً بفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فضل صلاة الجمعة جعل الله -تعالى- لمن يصلّي الجمعة إلى الجمعة التي تليها كفارّةً لذنوبه، ودليل ذلك قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ، فَصَلَّى ما قُدِّرَ له، ثُمَّ أنْصَتَ حتَّى يَفْرُغَ مِن خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي معهُ، غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وفَضْلُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ).

الله -تعالى- للمصلّي الحسنة بعشر أمثالها. 

* الزوال: أي ميل الشمس عن وسط السماء نحو الغرب 

متعلقات