أبعاد الخلاف التركي اليوناني ومآلاته
مركز الفكر الاستر اتيجي للدراسات

مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات

مقدمة

    عاد التوتر من جديد بين تركيا واليونان، بشأن احتياطات الغاز الطبيعي شرق المتوسط، وقد تجدد الخلاف على إثر توقيع الاتفاق الحدودي بين اليونان ومصر في السادس من أغسطس/آب الماضي، الذي رأت فيه تركيا انتهاكاً صارخاً لجرفها القاري، وهو ما دفعها إلى الإعلان عن عودة التنقيب في مياه البحر المتوسط، الذي كانت قد أوقفته مؤقتاً بعد وساطة ألمانية وأوروبية.

    مرت العلاقات بين أنقرة وأثينا بمراحل صعبة، أزَّمها عدد من الملفات التاريخية المتعلقة بالحدود البرية والبحرية والمياه الإقليمية والفضاء الجوي وجزيرة قبرص، وزاد من تأزمها محاولات التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، وملف اللاجئين، واستضافة اليونان عدداً من الأتراك المرتبطين بمحاولة الانقلاب، والخلاف حول "آيا صوفيا".

   وقد توترت العلاقة أكثر بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها ليبيا، والاصطفافات الدولية والإقليمية هناك، وأطماع بعض القوى الإقليمية في نقل المعركة إلى الجوار التركي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الخلاف التركي اليوناني، في خطوة قد تكون غير محسوبة العواقب، وهو ما قد يؤثر في الدول المتحالفة مع اليونان وفي اليونان نفسها.

     يبحث تقدير الموقف في أبعاد الخلاف التركي اليوناني حول التنقيب في المتوسط، والمواقف الدولية من القضية، ومآلاتها المستقبلية. أبعاد الخلاف التركي اليوناني الخلاف بين تركيا واليونان ليس وليد اللحظة، ولا يقتصر على ملف واحد، فثمة أبعاد متعددة للخلاف، أهمها الأبعاد السياسية والاقتصادية:

1. الأبعاد السياسية يعد ملف قبرص من نقاط الخلاف بين البلدين، وقبرص جزيرة تفصل بين البلدين، وتعد ثالث أكبر جزيرة في البحر المتوسط بعد جزيرتي صقليا وسردينيا، وتحتل موقعاً استراتيجياً متميزاً، وفيها تلتقي القارات الثلاث؛ أوروبا وآسيا وإفريقيا، وقد تنازلت عنها تركيا لبريطانيا بموجب اتفاقية لوزان، لكن قبرص حصلت على استقلالها فيما بعد، وحاولت الاندماج مع اليونان، وهذا ما أثار تركيا التي سيطرت بعدها على الجزء التركي منها، ومنذ ذلك الحين تعد محل خلاف بين الدولتين، وهي منقسمة بين قبرص التركية وقبرص اليونانية، حيث يدير الأولى القبارصة الأتراك في الثلث الشمالي لقبرص، وتعترف بها تركيا فقط، ويدير القبارصة اليونان الثلثين الآخرين، وتحظى حكومتهم باعتراف دولي. وإذا كانت معاهدة لوزان، في 24 يوليو/تموز 1923، قد عملت على تسوية الخلاف بين تركيا والدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، فإن ملفات عدة بقيت تشكل خللاً في الاتفاق، كالجزر المتنازع عليها، حيث تنازلت تركيا بموجب الاتفاقية عن 12 جزيرة لإيطاليا، و150 جزيرة في بحر إيجه كذلك، وقد سلمتها إيطاليا لليونان، وأصبحت تمثل حصاراً بحرياً لتركيا.

   تمثل قبرص والجزر السابقة محوراً رئيساً في الصراع التركي مع اليونان، لكنها ليست كل الصراع، فهناك ملفات عدة مرتبطة بالصراع مع اليونان؛ مثل السيطرة على المجال الجوي في بحر إيجه، وخطوط الجرف القاري للبحر، وحدود المياه الإقليمية بين تركيا واليونان، والقضايا العرقية والدينية.

    كما تصدرت جزيرة ميس محور الخلاف، حيث تحاول اليونان محاصرة السواحل التركية عن طريق هذه الجزيرة التي تبعد عن اليابس التركي كيلومترَين فقط، في حين تبعد عن اليابس اليوناني 580 كيلومتراً، وترى تركيا أنها جزيرة منزوعة السلاح حسب الاتفاقيات الدولية، وأن إرسال اليونان جنوداً إليها يخالف اتفاقية باريس للسلام المبرمة عام 1947، التي تنص على نزع السلاح عن جزيرة ميس.

    تعتمد اليونان على معاهدة لوزان ومعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، والأخيرة ليست تركيا عضوةً فيها، وتشعر تركيا بأن اتفاقية لوزان ظلمتها؛ إذ منحت اليونان كثيراً من الجزر كانت تاريخياً تتبع الدولة العثمانية، وتدرك في الوقت نفسه أن ترسيم الحدود البحرية من خلال معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار يجعل شرق المتوسط بحيرة يونانية، وترى أنه من غير المعقول أن تحصل بعض الجزر اليونانية على مساحة جرف قاري ومنطقة اقتصادية تعادل أضعاف مساحتها، وتعتمد في مطالبها على توجهات القانون الدولي التي تحدد المناطق الاقتصادية بناء على المسافة من البر لا من الجزر، وهو ما استندت إليه في اتفاقيتها مع ليبيا، وترى أن دولاً كبرى لم توقع على معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، كأمريكا، ومن ثم فهي غير ملزمة لها، إضافة إلى أنها ترى أن قبرص التركية أصبحت طرفاً مظلوماً، ولهذا تسعى لتغيير المعادلة من خلال إعادة ترسيم الحدود بطريقة أكثر إنصافاً.

2. الأبعاد الاقتصادية التنافس السياسي ليس السبب الوحيد في التوتر شرق المتوسط، بل هناك صراع اقتصادي عميق، والاهتمام بثروات شرق المتوسط ليس وليد اللحظة، وقد بدأ مع بداية الكيان الإسرائيلي ترسيم حدوده البحرية والبحث عن حقول الغاز، وهذا الأمر أثار مخاوف الدول ذات العلاقة؛ كتركيا واليونان وقبرص، إضافة إلى أن ذلك دفع عدداً من الدول العربية إلى توقيع اتفاقيات حدودية متعددة، مع تهرب بعضهم من توقيع اتفاقية مع اليونان، نتيجة المبالغة اليونانية في تصور حدودها البحرية؛ وهو ما تراه تركيا أيضاً.

   تحوي هذه المنطقة حقولاً غنية بالغاز الطبيعي، حيث يقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية، عام 2010، وجود ما يقارب 122 تريليون قدم مكعبة (أو 3455 مليار متر مكعب) من الغاز، وكذلك 1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، هذه الأطماع تلقي بظلالها على التحالفات، وتسبب تغييرات جذرية، وتعيد صياغة السياسات من جديد، وهو ما يظهر جلياً في الصراع شرق المتوسط. يتنافس في هذه المنطقة كذلك مشروعان اقتصاديان كبيران، يسعى كلٌّ منهما لمد خط أنبوب شرق المتوسط يصل إلى أوروبا، الأول يحظى بموافقة إسرائيلية، ويسعى لنقل الغاز إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، ويبلغ طوله 1900 كم، واسمه (إيست ميد)، ويتقاطع خط المشروع مع المنطقة الموقع عليها بين تركيا وليبيا.

    والخط الثاني يحمل اسم (ترك ستريم)، وهو خط روسي تركي لنقل الغاز الروسي إلى تركيا ثم إلى أوروبا الغربية وجنوبها، وهذا المشروع ترفضه أمريكا والكيان الإسرائيلي.

    أصبحت هذه المنطقة محل تنافس دولي، ومنطقة صراع بين تركيا واليونان وقبرص ومصر والكيان الإسرائيلي، وتتنافس فيها كبرى شركات الطاقة العالمية مثل: إيني الإيطالية، وتوتال الفرنسية، وإكسون الأمريكية، وتركيا تدرك أنها صاحبة أطول ساحل في شرق المتوسط؛ وإبعادها عن التأثير في هذا الملف ستكون له تداعيات استراتيجية على مكانة تركيا ومصادرها.

                                        المواقف الخارجية

     تعددت المواقف الدولية؛ بين دول أعلنت صراحة وقوفها مع اليونان، وأخرى تمارس دور الوسيط، وبعض الدول لا تزال تمسك بالعصا من المنتصف.

1- الاتحاد الأوروبي ليس هناك موقف موحد يتبناه الاتحاد الأوروبي تجاه شرق المتوسط، ففي حين تمارس ألمانيا دور الوسيط بوصفها الرئيسة الدورية للاتحاد الأوروبي، تتبنى فرنسا موقفاً صارخاً ضد تركيا، وتحاول تقديم نفسها على أنها وصي على المنطقة على الرغم من أن إيطاليا أقرب منها، وتسعى إلى تبني الاتحاد الأوروبي لموقف يمثل وجهة نظرها، وتحاول التقارب مع روسيا لتحييدها في المعركة مع تركيا؛ لكنها بهذه الخطوة الأخيرة قد تخسر الموقف الأمريكي.

     وقررت باريس تعزيز وجودها العسكري في منطقة التوتر، وأرسلت طائرتين مقاتلتين من طراز رافال، وفرقاطة بحرية إلى شرق البحر المتوسط، كذلك أعلنت اليونان عن مناورات عسكرية شرق المتوسط بمشاركة قبرص وفرنسا، وتتخذ قبرص اليونانية والكيان الإسرائيلي موقفاً مؤيداً لليونان.

     لم تستطع اليونان التوصل إلى موقف موحد للاتحاد الأوروبي؛ فألمانيا وإسبانيا، وإلى حد ما إيطاليا، تحاول أن تجد حلاً سياسياً للخلاف، وتحاول تركيا الاستفادة من الوساطة الألمانية، ولهذا تبنت المقترح الألماني بجعل سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح، وعلقت عمليات التنقيب في المتوسط سابقاً بناء على وساطة ألمانية، وهي بهذا تحاول تحييد ما استطاعت من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا وإيطاليا، والجهود الألمانية تصطدم برغبة اليونان في تصعيد الأزمة، وقد كان الاتفاق اليوناني المصري بعد وساطة قادتها ألمانيا، وهو ما فهمت منه الأخيرة تحدياً لجهودها في حل الخلاف.

    تدرك اليونان أنها لن تستطيع بمفردها مواجهة تركيا، ولهذا تسعى بكل قوة إلى توريط الاتحاد الأوروبي في مواجهة مع تركيا، وتصوير الخلاف على أنه خلاف تركي أوروبي، ومعها في ذلك فرنسا بكل قوتها، كما أن تركيا تسعى لتلافي ذلك.

 2- أمريكا والناتو تحاول أمريكا الاستفادة من الموقف التركي في محاصرة التوسع الروسي في المنطقة، وهي وإن لم تعلن انحيازها لتركيا فإنها أكثر ابتعاداً عن اليونان، ولم تفضِ زيارةُ رئيس الوزراء اليوناني لأمريكا إلى التوصل إلى توافق ثنائي ضد تركيا، ومما يؤثر في الموقف الأمريكي السلبي أيضاً التصور الشخصي لترامب عن ماكرون، الذي يسعى لدمج روسيا في أوروبا من خلال منظومة أمنية أوروبية روسية، وهو ما يتعارض مع السياسة الأمريكية، إضافة إلى المناورات العسكرية التي أجرتها أمريكا مع تركيا شرق المتوسط. هذه المؤشرات لا تدل على موقف أمريكي واضح؛ لكنها قد تدل على محاولة تركيا تحييد الموقف الأمريكي، لأن أمريكا لن تكون مع تركيا في الموقف الذي تتبناه، وإنما خشية التوسع الروسي، وهذا الموقف قد يتغير في حال زال الخوف، أو ضمنت أمريكا استبعاد روسيا، إضافة إلى أن سياسة ترامب متقلبة، وهذا ما ظهر من خلال رفع حظر التسليح عن قبرص اليونانية، وهو ما أغضب تركيا التي هددت بالرد بالمثل على لسان وزير خارجيتها الذي قال: "إن قرار الولايات المتحدة حول رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص اليونانية يتجاهل المساواة والتوازن بين الشعبين في الجزيرة"، وأضاف أنه في حال عدم تراجع الولايات المتحدة عن قرارها، فإن "تركيا بصفتها دولة ضامنة ستقوم، وبشكل يتوافق مع مسؤولياتها القانونية والتاريخية، باتخاذ الخطوات اللازمة المماثلة من أجل ضمان أمن شعب قبرص التركية".

    ويبدو أن هذا القرار جاء في إطار حمى الانتخابات الرئاسية التي تعيشها أمريكا في محاولة للتأثير في أصوات اليونانيين في أمريكا، كما أنه محاولة لاستيعاب قبرص والحد من التأثير الروسي عليها، وقد لا يستهدف تركيا بدرجة أساسية.

   أما عن موقف الناتو فقد قال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام للناتو: "إن الحلف يبحث سبل تجنب الصدامات العرضية في شرق البحر المتوسط، ويدرس ما يسمى بإجراءات منع الاشتباك لمنع وقوع حوادث بحرية، في منطقة تعاني من الاحتقان بشكل متزايد"، وهذا التصريح إلى الآن لم يتحول إلى واقع عملي، وتعد تركيا واليونان عضوتان في حلف الناتو منذ عام 1952، خشية التمدد السوفييتي حينها، وسرعان ما تدهورت العلاقة بينهما حول جزيرة قبرص ومواجهات بحر إيجه.

    وهناك رغبة من قبل الولايات المتحدة، ودول أخرى، بعدم الزج بالحلف الأطلسي في هذا النزاع، حتى لا يتورط في نزاعات بين أعضائه، وفي حال توصل الناتو إلى خطوات عملية لحل النزاع فمن المتوقع أن يلتزم بها الطرفان.

3- روسيا تسعى روسيا إلى التمدد ما أمكن في المنطقة، والاستفادة من الطرفين في إطار الخلاف القائم، ولروسيا علاقة قوية تربطها بقبرص اليونانية، وتسعى في نفس الوقت لتأمين سفنها في البحر المتوسط، وتأمين محطات إمداد لها، ومد خط الغاز إلى أوروبا؛ ولهذا أبدت موافقتها على مرافقة تركيا في التنقيب عن مصادر الطاقة شرق المتوسط، كما صرح بذلك وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الذي أشار إلى أن شركات بلاده مستعدة للتعاون مع تركيا في مجال الطاقة شرقي البحر المتوسط. تسعى موسكو كذلك بكل قوتها للحفاظ على بقائها مورداً رئيساً للغاز في أوروبا، ولهذا السبب تحرص على تقوية نفوذها في المتوسط، والاستفادة من علاقتها ودعمها لليونان وقبرص اليونانية، وفي المقابل تلوح تركيا بالورقة الروسية كرسالة للناتو، حيث أعلنت أن روسيا تعد لإجراء مناورات بحرية بالذخيرة الحية في شرقي المتوسط خلال الشهر الجاري.

      وقالت أنقرة إن هذه المناورات ستجري في المناطق التي تجري فيها عمليات المسح الزلزالي التركية بحثاً عن موارد الطاقة.

4- مصر يعد الموقف المصري من أقرب المواقف العربية وأكثرها صلة بالقضية، ومن أوائل المتأثرين بتداعياتها سلباً أو إيجاباً؛ للحدود البحرية التي تربطه بها، ولهذا كانت مصر سابقاً تدرك الوضع المعقد شرق المتوسط، ولم ترسم حدودها البحرية إلا مع قبرص في 2003، بخلاف الكيان الإسرائيلي واليونان، على الرغم من طلب اليونان المتكرر؛ لكنها كانت تتحاشى الدخول في اتفاق مع اليونان قبل ترسيم الحدود التركية اليونانية، إضافة إلى أن مصر كانت تدرك أن أي اتفاق مع اليونان فهو في حدود الرؤية اليونانية، وهذا يعني خسارة مصر مساحات من مياهها الاقتصادية، وهو ما حدث فعلاً، إذ إن مصر لو وقعت اتفاقاً مع تركيا فإن ذلك سيعزز من مساحتها، وسيوفر لها نحو (26500) كم2 إضافي، حسب دراسة للمركز العربي للدراسات، وما حدث مؤخراً من توافق بين أثينا والقاهرة هو تغليب ربما للمصالح الآنية مع استبعاد المصالح الاستراتيجية التي كانت تدركها القيادة المصرية سابقاً.

    وقد تبنت مصر موقفاً مناهضاً لأنقرة من خلال استضافتها منتدى غاز شرق المتوسط في مطلع العام 2019، لكن مصر إلى الآن والدول العربية المؤيدة لها، ربما لم تدرك بعد خطوط التراجع في حال توصلت تركيا واليونان إلى صفقة سياسية جديدة، كما أن الشعوب العربية تدرك أبعاد الصراع والتحالفات التي تتشكل، وهذا سيؤثر فيما تبقى من مشروعية لهذه الأنظمة.

5- الكيان الإسرائيلي التعاون العسكري والاقتصادي بين اليونان وقبرص والكيان الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، فقد كان للأخير دور كبير في اكتشاف حقول الغاز، وهذا ما دفعه إلى التقارب مع اليونان، وتوقيع الاتفاقيات معها، ففي مايو/أيار من العام الجاري وقع ممثلو الحكومتين على اتفاقية لتوريد أنظمة هيرون للطائرات المسيرة، التي صممت للمراقبة البحرية، ومن خلال الاتفاقية سيُدرَّب المشغلون اليونانيون، وسيكون هذا النظام مسؤولاً عن أمن الحدود والمراقبة البحرية، وتغطي الاتفاقية ثلاث سنوات من الخدمة، هذا بالإضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة.

     مشروع (إيست ميد) الذي سيربط حقول الغاز الطبيعي في حوض شرق المتوسط مع الأسواق الأوروبية، يلقى معارضة تركية ويتصادم مع المنطقة الموقع عليها بين تركيا وليبيا، ويبدو أن الكيان الإسرائيلي بحاجة إلى تركيا في تنفيذ هذا الخط، وهو ما يمكن أن تضغط به على اليونان، وقد مثلت الاتفاقية التركية الليبية ورقة قوية لتركيا، وذلك ما أشار إليه الرئيس التركي في قوله: إن "مصر وإسرائيل واليونان لا تستطيع التنقيب عن النفط في المتوسط دون الحصول على إذن تركيا".

                              مآلات الخلاف تصاعد الخلاف بين تركيا واليونان

     هذه المرة دخل مرحلة جديدة، بسبب الاستقطاب الدولي الحاصل، ولتداخل كثير من الملفات، مع بقاء بعض الدول مدركة لأهمية الاستفادة من اللعبة دون الاصطفاف كلياً مع أحد أطراف الصراع، وهذا ما يضعنا أمام عدد من السيناريوهات:

    السيناريو الأول: المواجهة الشاملة يفترض هذا السيناريو مواجهة عسكرية شاملة بين تركيا واليونان، وذلك يعود للانتشار العسكري شرق المتوسط والتحركات المتزايدة، ويعزز من هذا السيناريو:

 1- تصاعد الخلاف وتأزم الوضع، نتيجة السعي التركي لتعديل الاتفاقايات، والحرص اليوناني على التمسك بالأمر الواقع.

2- التحشيد العسكري المتنامي من الطرفين وعسكرة اليونان لبعض الجزر، وهو ما لا يمكن أن تقبل به تركيا. 3- تدخُّل أطراف إقليمية ودولية لتصعيد الخلاف، وهو ما قد يجعل من تطورها أمراً وارداً. هذا السيناريو على الرغم من إمكانية وروده يظل أضعف السيناريوهات، وما يضعفه:

1- تكلفة المواجهات الشاملة باهظة، ولن تكون لمصلحة أي منهما، ولا لمصلحة المنطقة، كما أن ارتداداتها ستبقى مدة طويلة.

2- سعي بعض الأطراف الدولية إلى احتواء الطرفين، كحلف الناتو والاتحاد الأوروبي وألمانيا وأمريكا.

3-تداخل مصالح الدول الكبرى في المنطقة، وهذا ما يعزز الحسابات، ويجعل من أي خطأ بسيط فرصة لتدخل الدول الكبرى؛ لحماية سفنها وشركاتها ومصالحها في المنطقة.

   السيناريو الثاني: المواجهة الجزئية والاحتكاكات العسكرية المحدودة ويفترض هذا السيناريو إمكانية وجود احتكاكات عسكرية أو مواجهة جزئية، يضطر إليها أحد الطرفين لمواجهة التصعيد العسكري للطرف المقابل، وهو سيناريو وارد، وقد يكون مدخلاً للتفاوض، ويعززه:

1- التصعيد اليوناني في عسكرة الجزر المتنازع عليها، وهذا قد يستفز تركيا ذات التجارب السابقة في نفس الموضوع، فجزيرة كارداك تعد من الجزر المتنازع عليها، وعسكرتها من قبل اليونان في 1996 أثار مواجهات عسكرية جزئية بين البلدين.

2- رغبة بعض القوى الإقليمية والدولية في إشغال تركيا قريباً من حدودها، في محاولة للتأثير على ما تراه توسعاً تركياً خارجياً.

السيناريو الثالث: المراوحة ومحاولة التوصل إلى صفقة جديدة يفترض هذا السيناريو استمرار عملية التصعيد السياسي بما لا يؤدي إلى انفجار عسكري شامل، مع تطور في المفاوضات ومحاولة التوصل إلى صفقة مؤقتة، قد لا تلبي الطموح التركي لكنها تحد من التصعيد العسكري.

وإذا كانت اليونان ترفض الحوار غير المشروط فإنها قد تذعن لذلك مستقبلاً، أو قد ترضى بالتحكيم الدولي، لأن المواجهات العسكرية ستكون أضرارها كارثية لا على اليونان وتركيا فقط، بل على المنطقة كلها، وستؤخر من عملية الاستفادة من حقول الغاز، كما أن التسوية الشاملة من المستبعد تحققها على المدى القريب نتيجة تعقد الملفات وتشابكها.

ويظل سيناريو الحلول الجزئية والصفقة المحدودة، سواء بالتفاوض أو بالتحكيم الدولي، هو المرجح، لعدد من الأسباب:

1-القدرات العسكرية التي باتت تمتلكها تركيا، فتركيا لم تخضع لتهديدات الناتو وعقوباته التي فُرضت في الحروب السابقة بينها وبين اليونان، واليوم تركيا تعد أقوى مما كانت عليه، وأصبحت اليونان تتحاشى أن تواجهها منفردة، وتحاول تقديم الخلاف على أنه تركي أوروبي، ومن الصعوبة ربما أن تحقق ذلك، وعليه فقد تخضع لبعض المطالب التركية.

2- أوراق الضغط التركية متعددة، فقد تلجأ إلى خيار إقحام الشركات الروسية، أو تعليق عضويتها في الناتو، أو السيطرة على الجزر المتنازع عليها، أو السماح للقبارصة الأتراك بتنظيم استفتاء يتيح لهم الانضمام إلى تركيا، إضافة إلى ورقة اللاجئين، وكل هذه الأوراق ستكون مزعجة للأوروبيين، كما أن سلامة المنطقة والاستفادة منها مرهون بموافقة تركيا، وهذا ما تدركه أغلب الدول الموجودة في خارطة الصراع.

3- السعي التركي للاستفادة من أدوار أمريكا وألمانيا وإيطاليا وروسيا أو تحييدها على الأقل، والتأكيد أن الخلاف تركي يوناني.

4- تربط أثينا بأنقرة حدود ومصالح مشتركة، يصعب أن تضحي بها أثينا لمصالح دول أخرى.

5- جرت السياسة التركية على التحرك الميداني وعينها على طاولة المفاوضات، وهو ما تدركه اليونان، حيث لجأت إلى الاتفاقية المصرية اليونانية في ظل جولات تفاوض مع تركيا، وتفاهمات تقودها ألمانيا، وتريد من خلال ذلك أن تعزز أوراق التفاوض لديها.

6-تمتلك ألمانيا قدراً من البراجماتية، وتسعى إلى البحث عن قصة نجاح تعزز دورها في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، في ظل الخلاف بين ترامب وماكرون، وهو ما يشجعها على مواصلة المشاورات ومحاولة التوصل إلى حل سياسي ولو جزئي.

متعلقات