البروفيسور الجزائري عظيمي لـ"الوسط": الحراك المبارك قد حررنا جميعًا من الخوف
الوسط الجزائرية

“شاهد على خيانة وطن” آخر إصدارات العقيد المتقاعد والبروفسور “أحمد عظيمي” الذي أتاح له الحجر المنزلي فرصة تدوين أحداث عاشها ووقائع اطلع عليها وقضايا فساد كان شاهدا فيها، ليضع بين أيدينا مصدرا تاريخيا تناول فيه أحلك مرحلة عاشتها الجزائر منذ استعادة السيادة الوطنية (2003-2019). وكان لجريدة الوسط حوارا حصريا مع البروفيسور ”أحمد عظيمي” ليكشف لنا عن المستور ويوضح سبب شهادته التي كان لا بد منها ففي نظره “الصمت خيانة”، واقترح حلولا واقعية لتحقيق التغيير المنشود ولإخراج الجزائر من وحل الفساد، كما أشار إلى السبب الذي جعله ينسحب من مضمار السياسة نهائيا والتوجه إلى الكتابة والتأليف.

حوار/ محجوبة عبدلي

      ∙ في البداية، لماذا صدر “شاهد على خيانة وطن” في هذه الفترة بالتحديد وليس من قبل؟ مشروع الكتاب كان حاضرا في ذهني منذ عدة سنوات، فقد عرفت أشياء وعايشت أحداثا كان لا بد من تدوينها وإخراجها للعلن حتى تعرف الأجيال المقبلة بأننا كجيل معين، واجهنا الفساد وعارضنا النظام السياسي القائم في فترة معينة من تاريخ بلدنا، وإننا لم نسكت رغم كل القمع الذي سلطه علينا. أما لماذا الآن، فلأني أعتبر بأن مرحلة رجل معين وجد نفسه على رأس الدولة الجزائرية بحكم حسابات معينة ومصالح أجنبية معينة قد انتهت، وأنه لا بد من الكتابة عن هذه المرحلة حتى لا تتكرر المآسي التي عرفها بلدنا خلال فترة حكمه، وما المحاكمات الجارية حاليا لرجال السلطة إلا الدليل الواضح على حجم الفساد الذي فرخ وساد في عهده. لم يكن من الممكن الكتابة عن مرحلة معينة إلا بعد نهايتها والنظر إليها كمرحلة متكاملة. إضافة لما سبق، فقد أشرت في نهاية الكتاب (ص 231) إلى أني باشرت تحريره يوم 15 مارس 2020 وأتممته يوم 26 أفريل من نفس السنة، أي في فترة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا؛ فقد كانت فترة الحجر الصحي والبقاء لأيام متتالية في البيت فرصة لإعادة ترتيب الأفكار وتحرير الكتاب، وهذا ما تم بمعدل حوالي عشر ساعات يوميا. ∙ كتاب “شاهد على خيانة وطن”، هو عبارة عن مذكرات تناولت فيها أحداثا، ابتداءً من استقالتك من الجيش عام 2003 لغاية الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، لماذا اخترت هذه الفترة؟ لا بد من التوضيح أولا، أن من ينشر مذكراته لا يقصد منها التعريف بنفسه بل للحديث عن مرحلة وعن أحداث عاشها أو عايشها ووقائع اطلع عليها، لذلك فالمذكرات تشكل مصدرا من مصادر كتابة تاريخ مرحلة معينة. أما لماذا هذه الفترة بالذات (2003- 2019) فلأنها من جهة المرحلة التي اكتشفت فيها شخصيا المؤسسات المدنية وحجم الفوضى والفساد السائدين فيها؛ ومن جهة أخرى هي المرحلة التي عرفت انتشار الفساد بشكل ممنهج ومقصود وبكيفية غير مسبوقة في أي بلد آخر، والدليل على ذلك هذه المبالغ المدوخة من الملايير التي يتم الحديث عنها في المحاكم هذه الأيام. لقد قلت ورددت في وسائل الإعلام والندوات التي كنت قد أشارك فيها لما كانت العصابة في أوج قوتها، بأن الصمت خيانة، وكل من كان يعرف وصمت فقد ساهم في انتشار الفساد، وأنا كنت أعرف ولذلك تكلمت كثيرا، ولعله أكثر مما يجب في تلك الفترة، ورأيت أن أصدر كتابا أتناول فيه ما أعرفه من باب التوثيق لمرحلة قلت عنها أنها من أحلك المراحل التي عاشتها الجزائر منذ استعادة السيادة الوطنية. ∙ تناولت في كتابك عدة قضايا فساد، هل تمس هذه القضايا رؤوسا معينة؟ في رأيي أن كل من كان يتولى مسؤولية قطاع معين وحدث فيه الفساد ولم يبلغ عنه فهو شريك في الجريمة، لم يكن الأمر مقتصرا على قطاع معين أو جهة معينة بل توسع وتعمم ليشمل معظم مؤسسات الدولة والمتعاملين معها. يقال أن بعض كبار بريطانيا ذهبوا يوما إلى رئيس وزراء بلدهم “ونستون تشرشل” يشكون انتشار الفساد في بلدهم فكان أن سألهم ما إذا كان الفساد قد شمل المدرسة والعدالة أيضا فأكدوا له بأن هذين القطاعين بقيا سالمين ولم يشملهما الفساد فرد عليهم بأن” بريطانيا بخير مادامت المدرسة والعدالة بخير”، المؤسف أن مدرستنا وجامعاتنا ومؤسساتنا قد شملها الفساد أيضا. ∙ ألا تعتقد أن الشهادة على خيانة وطن قد تشكل خطرا عليك؟ تعرض بيتي لحريق مجهول المصدر ونفس الفترة التي أُشعلت فيها النار وراء بيتي في الظروف التي شرحتها في الكتاب -هل هي عمليات مدبرة أم مجرد صدفة؟ علم ذلك عند ربي وعند من أمكر ومن أمر ومن نفذ إن كان لازال على قيد الحياة-. أما الحديث عن الخطر بسبب صدور الكتاب، فإن جوابي عن ذلك هو نفسه الذي قلته لصديق نصحني بالحيطة والحذر حيث جاء في الصفحة 202 ” وماذا أفعل غير الاحتماء بالذي كل شيء بيده فهو الذي يقرر كل شيء؛ لا يخيفني السجن فهو شرف لما يكون بسبب الدفاع عن الوطن؛ ولا يرعبني الموت لأني مؤمن إلى أبعد حد بأنه وحده جل شأنه من يقرر متى وكيف ذلك سواءً في فراش النوم أو في حادث مرور أو برصاصة. “ إضافة لما سبق، أرى بأن الحراك المبارك قد حررنا جميعا من الخوف وتسبب في إسقاط الكثير من الرؤوس التي قد تكون مسؤولة عن الأذى الذي أصاب بعض المعارضين الحقيقيين. ∙ بالحديث عن الحراك، هل تعتبره مرحلة انتقالية في تاريخ الجزائر؟ رأيت في الحراك المبارك، وكما صرحت وقتها للعديد من وسائل الإعلام، صورة هبة ربانية جاءت لتحرر الجزائر من الفساد وترفع عنها الغبن والمهانة وكان من نتائجها سقوط الطاغية الذي حكم الجزائر لعشرين سنة كاملة. كنا نشعر بالمهانة أمام الأجانب لما نشاركهم بعض الملتقيات العلمية في الخارج ويسألوننا عن أوضاع الجزائر، لا أحد في العالم كان يستطيع فهم الأسباب التي جعلت الشعب الجزائري الذي حقق واحدة من أعظم الثورات في العالم وانتصر على الإرهاب الهمجي يقبل بأن تحكمه عصابة على رأسها رجل مريض. لذلك فإن الحراك في نظري هو أكبر من مجرد مرحلة انتقالية؛ وأكبر من كل الأحزاب ومن السلطة، إنه ظاهرة فريدة من نوعها لم تحدث من قبل ولا أظنها ستتكرر بذلك النظام التلقائي وتلك السلمية والمثابرة والوضوح في المطالب والأهداف، إنه ببساطة فترة انبثاق وتعبير عن نقاوة وصفاء الروح الكامنة في أعماق كل جزائري – لقد أصبح في حياتنا وفي تاريخ بلدنا ما قبل وما بعد الحراك-. ∙ ما هو تصورك للحلول الواقعية التي بإمكانها تحقيق التغيير ؟ لقد اهتزت ثقة المواطن بشكل غير مسبوق بأيّ جهة من العالم، فالناس الذين قيل أنهم انتخبوهم لخدمة الدولة وحمايتها وتطويرها والدفاع عن مصالحها هم من عملوا على نهبها وتخريبها وضرب مصالحها بشكل ينمّ عن حقد دفين في نفوسهم ضد الجزائر وضد أبنائها. برأيكِ كيف يكون رد فعل المواطن البسيط، الذي لا يملك مبلغ ألف دينار ليشتري به محفظة لابنه المتمدرس، وهو يتابع أخبار آلاف الملايير التي نهبها أو تسبب في تبديدها رؤساء الحكومات والأحزاب والوزراء ومن رافقهم من كبار المسؤولين والمقرّبين؟ وعليه فأول ما يجب العمل على تحقيقه هو استعادة الثقة، كيف؟ الجواب في نظري يكمن أولا في السعي لإحداث الانتقال الديمقراطي الحقيقي، فوحدها دولة الحق والقانون من تستطيع استعادة ثقة المواطن وتعيد الاعتبار لهيبة الدولة؛ ودولة الحق والقانون لا يمكن أن تؤسَّس وتشيّد سوى في إطار النظام الديمقراطي. لا وجود لنظام آخر يضمن المساواة بين المواطنين وحرية التعبير والتداول الحرّ على السلطة واستقلالية القضاء غير النظام الديمقراطي. ويكمن ثانيا، في محاكمة كلّ من تسبب في إدخال الجزائر في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة أصبحت تهدّد أركان الدولة واستقرارها؛ ولا بدّ من مواصلة محاكمة كل من شارك أو استفاد أو سهّل تبديد أموال الدولة؛ ولا بد من تنظيف المصالح الحكومية من الفاسدين والمتقاعسين؛ مع اختيار الإطارات المُقتدِرة والنزيهة لتولي المناصب في مؤسسات الدولة. ويكمن ثالثا، في التوزيع العادل للثروة. ينبغي مصارحة المواطنين بالحقيقة التي تقول بأننا نعيش أزمة اقتصادية خطيرة وأنّه حان الوقت لتوقيف نزيف الخزانة العمومية وأنْ لا يتحمل أصحاب المداخيل المحدودة تبعات هذه الأزمة الاقتصادية وأن تسعى الدولة لاستعادة الأموال المنهوبة وتخفيض ميزانيات التسيير؛ ويكمن رابعا، في تغيير العملة الوطنية لإدخال “الأطنان” من الأموال المخزنة والمكدسة لدى المتعاملين في قطاع الاقتصاد الموازي إلى البنوك، ولتأخذ الدولة حقها من الضرائب غير المدفوعة على مدار عشرات السنين؛ ويكمن خامسا، في تحرير الفعل الاقتصادي من سطوة السياسي وتحكّمه، ومحاربة البيروقراطية؛ ويكمن سادسا، في الاهتمام بالمدرسة، المسؤولة عن تخريج أجيال من المواطنين الأكْفاء الذين سيجعلون من الجزائر تلك الدولة القوية والسائرة نحو العصرنة؛ وقد اقترحت، في الكتاب، تصوّري لإصلاح قطاع التعليم من الابتدائي إلى الجامعة؛ ويكمن سابعا، في الحصول على آخر المستجدات في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال وإدخالها في مجالات التعليم والإدارة والمالية وذلك ربحا للوقت والجهد؛ ويكمن ثامنا، في تطوير قطاع الإعلام والاتصال، إذ لا بدّ من توضيح الكثير من الأمور في مجالات الصحافة والسمعي البصري على المستوى الداخلي. ولأن صورة الجزائر لا تصل إلى الخارج، وإن وصلت فهي مشوّهة لأنها تُنقل عبر حوامل إعلامية واتصالية أجنبية، فمن الضروري أن تكون للجزائر قناتها الدولية وجريدتها الدولية كذلك. إنّ الحروب تخاض اليوم في مجال الإعلام والاتصال ولا بد أن يكون بلدنا حاضرا في فضاء حرب المعلومات ليدافع عن نفسه ويفرض تصوّره لمعالجة الأزمات المحلية والجهوية والدولية؛ ويكمن تاسعا، في تطوير الخطاب الديني لأن أكبر مجال اتصالي في الجزائر هو المجال المسجدي، وعليه فلا يعقل أن يبقى هذا المجال خارج التاريخ وخارج العصر الذي نعيشه وخارج ما يجب القيام به للدفع بالمجتمع نحو الوحدة الوطنية والعصرنة والتسامح وتقبّل الآخر المختلف. وأخيرا، فإن كلّ هذا يتطلب توفّر مراكز بحث مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية حتى تكون تلك المصابيح ذات الإنارة القوية التي تنير الطريق أمام من يريد الخير للجزائر ويسعى إلى خدمتها. ∙ سبق وقلت.. “يبدو أني أخطأت العنوان، فليس هذا هو الحزب الذي شاركت في تأسيسه”. هل أنت نادم على مشاركتكَ في تأسيس حزب طلائع الحريات؟ هذه عبارة ذكرتها في كتابي لأنها جاءت على لساني أثناء اجتماع المكتب السياسي لحزب طلائع الحريات في دورته لشهر فبراير، عندما طرحت تصوري لمستقبل الحزب بعد انسحاب رئيسه “علي بن فليس”، حيث كان رأيي أنه يجب الذهاب إلى المؤتمر بفكرة أن كل المسؤوليات (رئاسة الحزب، المكتب السياسي، اللجنة المركزية) يجب أن تمر عبر الانتخابات وأنه يجب إبعاد كلمة “تزكية” من قاموس طلائع الحريات نهائيا. لقد كان اتفاقنا منذ البداية هو أن نبني حزبا ديمقراطيا وعليه فكل المناصب والمسؤوليات يجب أن يصل إليها المناضل عبر الانتخابات. وقلت أيضا: “بين الحزب والديمقراطية فإني أختار الديمقراطية” مثل هذا الكلام لم يرض بعض رفاقي في المكتب السياسي حيث رد علي أحد الزملاء بأنهم يفضلون الحزب على الديمقراطية؛ ثم حدث في الاجتماع الذي تلاه (شهر مارس) أن تحدث رئيس الحزب بالنيابة عن تشكيل لجنة وطنية لتحضير المؤتمر على أساس تمثيل جهوي، مما جعلني أقتنع بأني أخطأت العنوان فعلا. لكن هل أنا نادم على المشاركة في تأسيس حزب طلائع الحريات؟ ؛لا أبدا بالعكس فبرغم معاناتنا من إرهاب السلطة، فقد كانت فرصة للكثيرين منا للسعي لتحقيق مشروع بناء حزب مختلف عما هو موجود في الجزائر؛ كما كانت فرصة للعمل مع قامات أكاديمية وسياسية ودبلوماسية وقانونية، فقد ضم المكتب السياسي للحزب خمسة دكاترة منهم الأستاذ “سليم قلالة”، ومجموعة من الكفاءات الوطنية منهم “أحمد عطاف” الذي قاد الدبلوماسية الجزائرية في أحلك وأصعب الظروف التي مرت بها الجزائر، و “عبد القادر طفار” الوزير المستشار للشؤون الدبلوماسية لدى رئاسة الجمهورية في زمن السيد “اليمين زروال”، و “عزوز ناصري” النائب السابق بالبرلمان والعضو السابق بالمجلس الدستوري والرئيس السابق للمحكمة العليا، والسيد “مراد دهينة” الذي تولى العديد من المناصب في مجال القضاء وكذلك عضوية المجلس الدستوري، بالإضافة إلى وزراء وضباط سامين متقاعدين -إن العمل مع كل هؤلاء فيه الكثير من المتعة ومن الاستفادة من تجاربهم ومن حنكتهم وكفاءتهم-. ثم ألا يكفينا شرفا إننا ساهمنا وأظن بقوة في فضح ممارسات العصابة وتخريبها للاقتصاد الوطني، لقد كانت بيانات المكتب السياسي ومواقف الحزب دوما منددة بممارسات العصابة وفاضحة لسلوكياتها ومقترحة للحلول والمخارج. ∙ هل لك نية في العودة لمضمار السياسة؟ قلت في الكتاب بأني قررت التفرغ لنوع آخر من النضال يتلاءم والسن الذي بلغته “الكتابة والتأليف”. أعتقد بأن أفضل ما يقدمه الأستاذ الجامعي لما يتجاوز العقد السادس من العمر، هو أن يجمع عصارة فكره وتفكيره وتجربته ليقدمها لطلبته، وأن يشارك برأيه وبمعارفه ومعلوماته في أي نشاط أكاديمي أو معرفي يطلب منه المشاركة فيه، وهذا ما أحاول القيام به الآن. يتصل بي هذه الأيام الكثير من الشباب من العديد من ولايات الوطن طالبين مني تأسيس حزب جديد، وجوابي لهؤلاء الأصدقاء جميعا كان ولازال “عاش من عرف قدر نفسه”؛ فلزمن أحكامه وقد خضت تجربة وانتهت وأفضل نضال اليوم بالنسبة لمن هو في وضعي هو الكتابة. ∙ ما هي تطلعاتكَ المستقبلية حول المشهد السياسي الجزائري وهل ترى أن الجيل القادم ينبغي له ولوج عالم السياسة؟ يقال أن الطبيعة تخشى الفراغ وعليه فابتعاد الشباب والنخبة عن السياسة ترك المجال فارغا أمام الصعاليك والفاسدين وهو ما أوصل الجزائر إلى حالة الخطر.

متعلقات