
د:عبدالقادر المحوري
في عدن، لا تُورّث قيم الوفاء فحسب، بل تُورّث أيضاً ثقافة الرفض. يتناقلها الناس كما يتناقلون مفاتيح الديار، من جيل إلى جيل، ومن حكاية إلى أخرى في ذاكرة المدينة التي لا تنطفئ فيها جذوة النضال. هذا الإرث المقاوم لا يقتصر على زمن أو ظرف، بل هو مزروع في زوايا الأزقة، ومغروس في تفاصيل التاريخ وشواهد المقاومة الممتدة.
خرج شباب عدن بالأمس منادين برفض الإبادة الجماعية بالخدمات، تلك التي تقتل الناس بلا سلاح، وتطحنهم تحت وطأة العتمة، وانقطاع الماء، وانهيار الكهرباء. لم تُرهبهم الزنازين، ولم تردعهم القيود؛ فقد غادروا السجن ليعودوا مباشرة إلى الشارع، حيث تنبض الحقيقة، وتولد الإرادة، لا في غرف الاجتماعات المكيفة التي يديرها أولئك المتنعمون في خيرات الفقراء،
من الميدان يبدأ التغيير، من حيث العرق والعراء، من حيث الأصوات الحرة لا المكبوتة، ومن حيث المعاناة التي تحوّلت إلى شعلة غضب لا تنطفئ.
تحية لعدن… المدينة التي ترفض أن تتوسد القهر وتنام، المدينة التي تنهض كل صباح رغم الجراح، وتغزل بوجوه ناسها خيوط الأمل الجديد.
وصباح الخير على الورد الذي لا يزال يزهر في حدائق الألم، وعلى شباب لا يُكسر، بل يعود كل مرة أقوى… لأنهم ببساطة أبناء مدينة لا تعرف الانحناء