فارس العدني
في مشهد يعكس بؤس الواقع وانفصام الخطاب عن الممارسة، خرج شباب عدن يطالبون بالكهرباء فقيل عنهم مخرّبون، وخرجت النساء تطالبن بذات الحق فقيل عنهن نازحات. هكذا ببساطة تُقلب الطاولة على الضحايا ويُمارس التجريم على أبسط مظاهر الاعتراض المشروع، وكأن المطالبة بالخدمات الأساسية أصبحت تهمة تستحق الإدانة.
منذ تسلّمه السلطة وبسط نفوذه على عدن، اكتفى المجلس الانتقالي الجنوبي بتحويل موارد المدينة وجباياتها إلى جيوب المقربين والتابعين، فيما تُرك المواطن يواجه الظلام والحر والعطش وانهيار الخدمات. المثير للأسى أن هذا الكيان الذي لطالما حرّض على التظاهر والخروج والاحتجاج، أصبح اليوم يستخدم تلك الشعارات السابقة كأدوات قمع وسخرية.
لقد أثبتت التجربة أن من يصل إلى السلطة دون رؤية حقيقية ولا مسؤولية وطنية، لن يتردد في خيانة شعاراته الأولى متى ما نال نصيبه من النفوذ والمكاسب. الانتقالي اليوم لا يبدو معنيًا بعدن ولا بأوجاع أهلها بقدر ما هو مشغول بتوزيع المناصب وتعزيز الولاءات وإحكام السيطرة على مقدرات المدينة.
إننا نواجه ازدواجية قاتلة، خطابٌ ثوري سابق وسلوك سلطوي قمعي لاحق، والمحصّلة شعب محبط وخدمات منهارة ومدينة تموت بصمت.
الحل لا يأتي بالصمت أو التراخي، بل بالمطالبة المستمرة بالحقوق وبالضغط السلمي لاستعادة القرار ومحاسبة الفاسدين أياً كانت هويتهم أو انتماؤهم. فعدن التي احتضنت الجميع لا تستحق هذا الجحود، ولا تستحق أن تُجزى نضالات أبنائها بالخذلان.