من النهدين إلى عدن… مفارقات الذاكرة السياسية اليمنية
الإتحاد نت

فارس العدني 

 

ُظهر التجربة السياسية والاجتماعية في شمال اليمن ملامح لافتة من النضج والمرونة، حيث استطاع الشماليون – رغم تعاقب الحروب والصراعات والتصفيات السياسية منذ ستينيات القرن الماضي وحتى حادثة جامع النهدين وما تلاها – أن يحافظوا على حد أدنى من التوافق والقدرة على تجاوز الأزمات. هذه السمة المتجذرة تعكس ثقافة تسامح نسبي ومرونة اجتماعية وسياسية، تجعلهم أكثر قابلية للانتقال إلى خطوات لاحقة في مسار بناء الدولة، ومهيئين للتفكير في يمن جديد يتجاوز اختناقات الماضي.

 

وتكمن أهمية هذه الروح في أنها ليست مجرد سلوك اجتماعي، بل رافعة سياسية تُسهم في إعادة إنتاج الشرعية والاصطفاف الوطني عند المنعطفات الكبرى، إذ يجتمع الفرقاء في النهاية حول طاولة واحدة أو دعوة جامعة، ليبرهنوا على سعة أفقهم وإدراكهم أن المستقبل لا يُبنى على اجترار صراعات الماضي.

 

في المقابل، يواجه الجنوب إشكالية بنيوية تتجسد في استمرار ثقافة الأحقاد والإقصاء، وهي ثقافة تصطدم مع الشعارات المعلنة حول التحرير وبناء الدولة. فبدلًا من تجاوز الماضي، يُعاد استحضاره وتوظيفه في الصراع السياسي، الأمر الذي يعرقل إمكان إنتاج مشروع وطني جامع. هذه الظاهرة، إذا ما استثنينا خصوصية مدينة عدن وأبنائها، الذين برهنوا على استعداد أكبر للتضحية والانفتاح، تكشف أن الجنوب لا يزال أسيرًا لثقل التاريخ ومراراته.

 

إن قراءة التجربتين تكشف أن ما يمتلكه الشمال من قدرة على المرونة والتسامح يمكن أن يشكّل رصيدًا حقيقيًا في مسار بناء اليمن الجديد، فيما يظل على القوى الجنوبية مراجعة بنيتها الفكرية والسياسية للتخلص من أثقال الماضي والانفتاح على المستقبل بروح شراكة وطنية تتجاوز الأحقاد والانقسامات.

متعلقات