فارس العدني
لم تكن السيول التي اجتاحت عدن مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل كانت اختبارًا قاسيًا كشف هشاشة البنية التحتية، وفضح عجز المؤسسات المعنية، من صندوق التحسين إلى الأشغال العامة وصيانة الطرقات. المياه التي جرفت الشوارع ووصلت إلى البحر وأغرقت منازل كثيرة لم تصنع المأساة وحدها، بل أظهرت فسادًا متجذرًا وإدارة غائبة عن أبسط مسؤولياتها.
صندوق تحسين عدن الذي أنشئ لخدمة المدينة لم يعد أكثر من مورد لامتيازات المسؤولين. مخصصاتهم، بترول سياراتهم، ديزل بيوتهم، وحتى نفقات مرافقيهم، تأتي من ميزانية الصندوق، بينما مشاريع التحسين تكاد لا تُذكر. الكناسة التي اشتراها الصندوق بمبلغ 250 مليون ريال لم تعمل أكثر من أسبوع، أما بقية المعدات فجاءت كهبات من الخارج، مثل الشفاطات المقدمة من البرنامج السعودي. صورة كاشفة لغياب الإدارة الرشيدة والرقابة الفاعلة.
الأشغال العامة وصيانة الطرقات لم تكن أفضل حالًا. عوضًا عن إنشاء مناهل لتصريف مياه الأمطار أو الالتزام بمواصفات الطرق، ظل الاهتمام محصورًا في عقود تُمنح لمقاولين معدودين أو لمقاول واحد بعينه، طالما أن “النسبة” مضمونة. هكذا تتقدم حسابات الربح والعمولات على حساب حياة الناس وخدماتهم.
إن ما حدث في عدن رسالة واضحة: الكارثة الطبيعية تحولت إلى شهادة على فساد المؤسسات وضعف إدارتها. وما لم تُواجه هذه الظواهر بإرادة سياسية صادقة ورقابة شفافة، فإن كل موجة مطر قادمة قد تحمل معها مأساة أكبر، في مدينة باتت تتجرع ثمن الفساد أكثر مما تتجرع مياه السيول.