ألشمال والجنوب… سمات متناقضة وواقع يحتاج إلى توازن
الإتحاد نت

فارس العدني

 

في اليمن، لا يختلف اثنان على أن للشمال والجنوب خصوصيات متجذرة في الوعي والسلوك الاجتماعي، انعكست على مسار الأحداث عبر عقود من التاريخ. هذه الخصوصيات تحمل في طياتها مزايا وعيوبًا، تجعل المقارنة بين الطرفين أقرب إلى محاولة لفهم الواقع أكثر من كونها حكماً قاطعاً.

 

يُعرف أبناء الشمال بتسامحهم وقدرتهم على تجاوز الماضي، وكأنهم يؤمنون أن المصالحة ضرورة لبقاء الحياة. عندهم، التعايش ليس خياراً ثانوياً، بل وسيلة للبقاء والاستمرار، حتى وإن كان ذلك أحيانًا على حساب شيء من الحقوق والكرامة.

روحهم حيوية، يحبون العمل ولا يعرفون الاستسلام لليأس أو الفشل. وإن تعثرت خطواتهم بسبب محدودية الإمكانيات، فإنهم يكررون المحاولة حتى يصلوا، وكأن في داخلهم إصرارًا يرفض الانكسار.

لكن هذه المرونة نفسها قد تتحول إلى نقطة ضعف حين تتجاوز حدودها، إذ قد تُفهم كتطبيع مع الظلم أو تنازل دائم يكرّس القبول بالواقع بدل تغييره.

 

أما في الجنوب، فتظهر سمة الصلابة والتزمت والاعتداد بوضوح أكبر. أبناء الجنوب يتمسكون بمواقفهم بشدة، ويرون في التهاون مع الخصوم انتقاصًا من حقهم. لهم ذاكرة جمعية قوية، لا تنسى بسهولة، وهو ما يجعلهم يحتفظون بالثارات والنزاعات في صفة غير حميده لفترات طويلة، حتى وكأنها جزء من الهوية.

في وضوحهم وصراحتهم ما يميزهم عن غيرهم، فهم لا يواربون في مواقفهم، ولا يرضون بتعايش هش مع من يعتبرونه خصماً أو منافساً. غير أن هذه الصلابة قد تنقلب إلى جمود يعيق فرص التفاهم، ويجعل اجترار الماضي عقبة أمام بناء المستقبل.

 

الحقيقة أن لا الشمال ولا الجنوب بمثالية مطلقة. الشماليون يملكون حيوية ومرونة، لكنهم في المجمل يفتقدون إلى الصرامة في انتزاع حقوقهم. والجنوبيون يتميزون بالتشدد والتمسك بالمبدأ، لكنهم يقعون في فخ العناد والخصومة الممتدة.

ولعل الطريق الأمثل يكمن في الجمع بين مرونة الشماليين وصلابة الجنوبيين، لتشكيل وعي وطني جديد قادر على استيعاب الماضي دون أن يبقى أسيرًا له، والتطلع إلى المستقبل دون أن يفرّط بحقوق الحاضر.

متعلقات