فارس العدني
في زمن ازدحمت فيه الساحات بالشعارات، وتكررت مشاهد الحشود والولاءات، يظل السؤال المؤلم مطروحًا إلى أين يمضي الجنوب؟
لقد أثبتت التجارب أن كثرة الجماهير لا تعني بالضرورة قوة الموقف، وأن الأصوات العالية لا تصنع مشروعًا وطنيًا. فبين الأمل والخيبة، يقف الجنوب اليوم على مفترق طرق، يحتاج فيه إلى مراجعة صادقة وقرار شجاع يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
لكن السؤال الجوهري اليوم ما النتيجة؟ وأين الجنوب بعد كل هذه الحشود؟
لقد حشد عفاش من قبل ملايين الجماهير، وفي النهاية وجد نفسه عاريًا حين ذابت تلك الجموع عند أول اختبار حقيقي.
عشنا سنوات منذ التحرير، وما زلنا ندور في المربع صفر بل تراجع الحلم، وتحوّل إلى ما يشبه خيبة أمل، فيما بعض القيادات تتودد لضم محافظات شمالية وكأنها تبحث عن امتداد سياسي بديل بدلًا من ترسيخ المشروع الجنوبي المنشود.
المشهد اليوم، للأسف، يُعيد إلى الأذهان مشهد وحدة عام 1990.
الجنوب ممزق، والخيارات ضبابية، ونفس التيار الذي ذهب بالأمس إلى وحدة اندماجية خاسرة، يسير اليوم على الطريق ذاته ولكن تحت عناوين جديدة.
ليس من المنطق أن نكرر التجربة نفسها وننتظر نتائج مختلفة، ولا أن نغطي العجز بالشعارات الرنانة والحشود الموسمية.
لسنا هنا نطرح خيالًا أو أوهامًا،
بل واقعًا مريرًا يستحق المراجعة بصدق وشجاعة، بعيدًا عن لغة الشطط والإقصاء والتخوين.
فالجنوب لا يُبنى بالحشود ولا بالشعارات، بل برؤية وطنية واضحة ومشروع جامع،
يضع الإنسان قبل الجغرافيا، والمؤسسات قبل الولاءات، والمستقبل قبل الحنين .