حين تتبدل القيم: دروس من لقاءات الماضي المتغيرة
الإتحاد نت

فارس العدني

 

في عالم سريع التغير، حيث تتشابك المسؤوليات والمصالح، تصبح العلاقات الإنسانية اختبارًا حقيقيًا للقيم والمبادئ التي كنا نعتقد أنها ثابتة. بين الفينة والأخرى، نجد أنفسنا أمام لحظات من الاندهاش والحيرة، حين نلتقي بأشخاص كانوا في يومٍ ما مصدراً للثقة والدعم، لنتفاجأ بتغير جذري في سلوكهم أو أولوياتهم. في أحد اللقاءات العابرة مع صديق قديم يشغل منصبًا قياديًا، كانت الإجابات التي تلقيتها عن هموم الوطن والمشاكل التي طالما تبادلنا الحديث عنها، باردة وفاقدة لأي حماسة. الحوار الذي كان يومًا ينبض بالمعاني العميقة تحول إلى مجرد كلمات فارغة، تنم عن حالة من اللامبالاة. حين سألته عن مسؤوليته تجاه الزملاء، كانت الإجابة التي تلقيتها صادمة: “لا أستطيع أن أعمل شيئًا من أجلكم”. كانت تلك الكلمات بمثابة صدمة أكدت لي أن المسؤولية لم تعد تعني شيئًا له، وأن القيم التي كنا نشترك في الإيمان بها قد تلاشت مع مرور الزمن.

 

ولكن لماذا يحدث ذلك؟ هل هو بسبب الضغوط والتحديات التي تأتي مع المناصب القيادية؟ أم أن السلطة والمكانة قد تؤدي إلى تغييرات في فهم الشخص لدوره تجاه الآخرين؟ ربما يكون الأمر مزيجًا من ذلك، إذ إن تغيرات الحياة والمهنة قد تضع الشخص في مواقف تجعله يفقد الاتصال بما كان يشده إلى مبادئه الأولى. المسؤولية لا يجب أن تكون مجرد واجب ثقيل يؤديه الإنسان على مضض، بل هي التزام صادق يظهر في الأفعال والمواقف. فالعلاقات الإنسانية لا يمكن أن تكون مجرد تبادل للمصالح، بل هي أساسها التعاون والتفاني من الطرفين. ورغم التغيرات التي قد تطرأ على الشخص، يبقى من الواجب أن يتمسك بما كان يشده من قيم، وأن يظل وفيًا لمبادئه.

 

لكن ما الذي يفعله الشخص عندما يرى من كان يومًا جزءًا مهمًا من حياته وقد تغيّر بشكل فجائي؟ هل يمكن استعادة تلك العلاقات القديمة؟ الجواب ليس بسيطًا، ولكن من المؤكد أن الشخص الذي يبتعد عن الوفاء بقيمه ويغفل عن مسؤولياته تجاه من حوله سيبقى في النهاية محاصرًا بفجوة لا يمكن ملؤها بسهولة. فالروابط التي بنيت على الأمانة والاحترام لا يمكن أن تُمحى بقرار سريع أو مصلحة عابرة. يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن أن نعيد بناء تلك الجسور التي تهدمت؟ الحقيقة أن الحفاظ على المبادئ والنية الطيبة هو ما يصنع الفارق في العلاقات، حتى إذا تخلّت الظروف عن الدعم.

 

في النهاية، لا يمكننا أن نتجاهل أن التغيرات التي تطرأ على الآخرين قد تفضح أحيانًا مدى هشاشة بعض الروابط. ولكن يبقى لدينا دائمًا القدرة على استخلاص العبر من هذه التجارب، والاستمرار في الوفاء للمبادئ التي نؤمن بها. العلاقات الإنسانية ليست مجرد تبادل للمنافع، بل هي التزام طويل الأمد يتطلب منا أن نكون صادقين مع أنفسنا أولًا، ومع الآخرين دومًا.

متعلقات