نص كلمة محافظ البنك المركزي اليمني خلال تدشين فعاليات أسبوع المال العالمي بالعاصمة عدن 
الإتحاد نت

دشن ظهر اليوم بالعاصمة عدن، تحت شعار "أحمي أموالك، أمن مستقبلك"، فعاليات أسبوع المال العالمي 2024، بحضور محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي، ونائبه محمد عمر باناجه، وعدد من الوزراء والمسؤولين، وممثلي البنوك والمؤسسات المالية، والمهتمين بمجال التوعية المالية.

 

وألقى محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب كلمة خلال تدشين الفعاليات جاء في نصها الآتي:

بداية، يسعدني الترحيب بكم جميعًا، كل باسمه وصفته، في حفل تدشين أسبوع المال العالمي في بلادنا. هو الحدث الثالث الذي ينظمه البنك المركزي على مستوى اليمن، والثاني في العاصمة عدن، حيث كان لنا لقاء في العام الماضي في هذه القاعة وفي نفس التوقيت، وللمرة الأولى منذ نقل البنك المركزي.

 

أسبوع المال العالمي هو حدث عالمي ينظمه المنظمة الدولية لمالية الأطفال والشباب (CYFI) كل عام منذ أن تأسست كمنظمة غير ربحية في يونيو 2012. يتم تنسيق الأسبوع على الصعيد العالمي برعاية من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ابتداءً من العام 2020، وينعقد هذا العام خلال الفترة من 18 إلى 24 مارس، تحت شعار “أهمي أموالك، أمن مستقبلك”.

 

ويمثل العقاد هذا الأسبوع التثقيفي فرصة للدول لتعرض ما تقوم به من جهود، وتستعرض ما تنفذه من خطط وبرامج في مجال التثقيف المالي للأطفال والشباب بصورة خاصة، وللمجتمعات بصورة عامة.

 

ووفقًا لمصادر المنظمة وإحصائياتها، فقد تم الوصول حتى العام 2023 إلى أكثر من 60 مليون طفل وشاب على المستوى الدولي بصورة مباشرة، و120 مليون بصورة غير مباشرة عبر أكثر من 40 ألف جهة شاركت في حملة التوعية على مستوى العالم. وتزداد الجهات المشاركة كل عام، وتتنوع أساليب العرض وآليات الوصول والاتصال والتوعية. ويسعدنا أن تشارك بلادنا وبنفس التوقيت مع معظم دول العالم في مختلف القارات بالاحتفاء بهذه المناسبة التي انتظمت فعالياتها منذ تاريخ تدشينها في عام 2012.

 

لا شك أن الاهتمام بالثقافة المالية والمصرفية أمر هام وحيوي لنتمكن من تنمية وإدارة مواردنا الذاتية على مستوى حياتنا اليومية كأفراد وهيئات، ولنتعلم ثقافة أوسع وحرصًا أكبر لإدارة موارد البلد وتعظيم العائد منها وصيانتها من الهدر والعبث والاستخدام غير الرشيد. ولذلك تحرص الأمم على تنشئة أجيالها منذ المراحل الأولى للتعليم على هذه الثقافة وذلك السلوك، وتنمي فيهم ملكات الحرص على المال وتشجعهم على فضيلة الادخار. وهنا أجدها فرصة لأكرر الدعوة للإخوة القائمين على المؤسسات التعليمية والإعلامية ومنابر الإرشاد والتوجيه بالاهتمام بهذه المبادئ وتضمينها في مناهج التعليم منذ المراحل الأولى، وجعلها مادة حية ومتكررة في كل برامج الإعلام والثقافة والتوعية والإرشاد، ليس لأن العالم يهتم بها ويحتفي بفعالياتها خلال هذا الأسبوع، بل باعتبارها ضرورة حياتية وفضيلة دينية وواجب وطني.

 

ففي ديننا، “كسب المال بالوسائل المشروعة وتنميته وإنفاقه برشد قيمة دينية وأخلاقية قبل أن تكون قيمة اقتصادية وضرورة حياتية”. قال الحكيم الخبير: “ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا”.

 

وقال عز من قائل: “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا”.

 

كما أسلفنا، إن أسبوع المال العالمي يهدف إلى رفع مستوى الوعي وتعزيز الثقافة المالية والمصرفية، لدى أوسع شرائح المجتمع خاصة جيل الأطفال والشباب، ومساعدتهم على اتخاذ القرارات المالية السليمة في حياتهم.

 

وفي سبيل إشاعة هذه الثقافة وتجذير هذه المفاهيم، فقد أعدت البنوك برنامجًا حافلًا ومتنوعًا للتعريف والتثقيف، ومعرضًا لاستقبال الزائرين من الأطفال والشباب والمهتمين.

 

وفي هذا الإطار، يمثل رفع مستوى الوعي المالي والمصرفي أحد الأهداف الرئيسية التي يسعى البنك المركزي إلى تحقيقها وصولًا إلى تحقيق الشمول المالي في بلادنا (Financial Inclusion) ووصول الخدمات المالية والمصرفية إلى كافة فئات المجتمع اليمني، ومنهم فئة الشباب والأطفال، جيل المستقبل الواعد.

 

حيث يجب أن تتكامل الجهود للمؤسسات المالية والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الإعلامية ومنابر التثقيف والتوجيه في إعداد الجيل وتأهيله للتعامل مستقبلًا مع المال ومؤسساته بوعي ومهارة. وللمساعدة في تحقيق ذلك، قام البنك المركزي اليمني خلال الفترة الماضية بتطوير وإصدار الإطار التنظيمي والتشريعي اللازم وفقًا لأفضل الممارسات الدولية، والذي سمح بتأسيس بنوك متخصصة في التمويل الأصغر متلقية للودائع برؤوس أموال بسيطة بهدف تعزيز الشمول المالي والوصول إلى شريحة واسعة من المجتمع من غير المشمولين في خدمات القطاع المصرفي والمحرومين من فرص الحصول على الخدمات المالية والمصرفية (تمويل، إدخار، .. الخ).

 

وبالفعل وكبداية ناجحة، يوجد لدينا حاليًا 10 مصارف عاملة وأربعة بنوك تحت التأسيس متخصصة في التمويل الصغير والأصغر تعمل في مختلف المحافظات، بعضها بدأ بالتحول إلى بنوك إسلامية شاملة. بالإضافة إلى ما سبق، فقد تم تطوير وتحديث القواعد التنظيمية لتقديم خدمات النقود الإلكترونية عبر الهاتف المحمول المعروف بـ (محافظ إلكترونية) وأيضًا تم إصدار التشريعات المنظمة لمزودي ومشغلي أنظمة الدفع بدعم فني من البنك والصندوق الدوليين ووكالة التنمية الأمريكية.

 

وتعمل على جعل تلك القواعد مواكبة للمتغيرات واحتياجات السوق المصرفي بما يمكن البنوك والمؤسسات المالية الاستفادة من التطورات التكنولوجية المتسارعة في التقنيات المالية.

 

حيث تم السماح بموجبها للبنوك بإنشاء مؤسسات مالية لتقديم خدمات الدفع والمحافظ الإلكترونية مستهدفين مستخدمي الهاتف المحمول الذين لا يملكون حسابات في البنوك وهم يمثلون شريحة واسعة وكبيرة.

 

كما تم تدشين العمل بالمرحلة الأولى من المقسم الوطني National Switch والذي سيربط البنوك ببعضها ويسهل على المواطنين استخدام مختلف التطبيقات ضمن هذه الشبكة، خاصة الصرافات الآلية ونقاط البيع والمحافظ الإلكترونية. كما أن هذه الخطوة تمثل نقلة كبيرة في إنجاح عملية رقمنة المرتبات وصرفها عبر البنوك.

 

هناك إمكانيات كبيرة لتعزيز عملية الشمول المالي في بلادنا بما يخدم الاقتصاد الوطني، ويسهل تعاملات المواطنين من مختلف الشرائح على الرغم من وجود مجموعة من التحديات تعيق أو تبطئ تحقيق تلك الأهداف، منها ما هو مرتبط بالجانب التشريعي والتنظيمي نتيجة لظروف الحرب التي نعيشها وانقسام المؤسسات وهشاشتها، ومنه ما هو مرتبط بضعف البنية التحتية لعمل القطاع المصرفي من حيث الأطر المؤسسية ومستوى الدخل وارتفاع نسبة الأمية وصعوبة الانتشار المصرفي والكلفة المرتبطة بالخدمات المصرفية (.. الخ). ومع ذلك، فهناك إمكانية للتغلب على بعض هذه التحديات إذا ما تكاتفت الجهود لتذليلها وذلك من خلال الشراكة الفاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وبقية الشركاء من أصحاب المصلحة. فحتى تستمر الحياة علينا أن نحاول ونستمر بالمحاولة ونعمل بما يتوفر لنا من إمكانيات وما تسمح به الظروف من حركة. لأننا لا نملك ترف الانتظار.

 

ونحن ندشن أسبوع المال العام لتعزيز الوعي والثقافة المالية وسط الأطفال والشباب، نود التأكيد أننا كراشدين، دولة ومجتمع، حكومة ومؤسسات، منظمات وأفراد، أكثر حاجة لهذا الوعي وهذه الثقافة للتعامل مع مواردنا ومقدراتنا وإعادة توجيهها نحو أولوياتنا الملحة والضرورية وتعظيم العائد منها، خاصة في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية غير المسبوقة. 

 

وحتى يتسق القول مع الفعل ونكون قدوة للنشء والشباب، وبدون تفاصيل، يجب علينا كدولة أن نبدأ في تعزيز جهود تحصيل مواردنا وحمايتها ومحاولة إعادة استغلال ما توقف جبرًا منها، وكذلك إعادة النظر في أولويات إنفاقنا. ووقف الاستخدام غير الرشيد للموارد الشحيحة، وبالتحديد التحرك السريع لردم "الثقوب السوداء" التي باتت تلتهم كل موارد البلد.

 

مع تقديرنا للجهود التي تبذل من قبل الوزارات المعنية والحكومة لمعالجة الاختلالات، إلا أننا نود التأكيد أن الأمر أكبر من قدرة جهة بعينها، بل أكبر من قدرة الحكومة بمفردها. ومن الضروري أن تنتظم جميع سلطات الدولة ومؤسساتها لتصحيح تلك الاختلالات وتحقيق تلك الأهداف، والحديث مع الشعب بشفافية حول الاختلالات والمعالجات المطلوبة، وإن كانت مؤلمة. فالوضع استثنائي يحتاج إلى معالجات استثنائية، وإلى مشاركة الجميع في تحمل أعباء الإصلاحات.

 

نحن في البنك المركزي نعمل وفق خطط وبرامج مقرة بناءً على التقييمات التي قامت بها المنظمات الدولية وبواسطة خبراء عالميين يطبقون أفضل الممارسات في مجالات العمل المصرفي. ومن الطبيعي أن تصطدم جهود البنك المركزي الهادفة إلى تنظيم بيئة العمل وإزالة الممارسات غير القانونية الضارة بالاقتصاد الوطني والمتعارضة مع المعايير المصرفية والمؤثرة على علاقاتنا بالقطاع المالي والمصرفي الإقليمي والدولي بـ "أرباب المصالح" الذين اعتادوا العمل بدون ضوابط. ومن المتوقع أيضًا أن تُكال التهم للبنك المركزي والقائمين عليه بسبب الإجراءات التصحيحية التي يقوم بها ويتضرر منها المضاربون والمهربون والذين يعملون خارج إطار القانون. لكن من غير المتوقع أن لا يلقى البنك المركزي المساندة الكاملة من بعض مؤسسات الدولة وهيئاتها التمكينية من ممارسة مهامه باستقلالية ومهنية وحيادية، وفقًا لأحكام الدستور والقانون.

 

لا نبالغ إذا قلنا أن البنك المركزي، في ظل الواقع الصعب التي تعيشه البلاد، خاصة منذ الربع الأخير من عام 2022، هو المؤسسة الوحيدة التي تحفظ تماسك الدولة وتعزز فرص استمراريتها. ففي عام 2022، وفر البنك ما يعادل 800 مليون دولار موارد حقيقية محلية وخارجية لتغطية عجز الموازنة. وفي عام 2023، وفر ما يعادل 1200 مليون دولار أيضًا لتغطية عجز الموازنة أيضًا من موارد حقيقية محلية وخارجية. وهذه التغطية كل عام تفوق فاتورة المرتبات وتزيد، وربما تغطي المرتبات ونصف فاتورة الوقود. ولم يلجأ البنك إلى أي تمويل تضخمي منذ بداية عام 2022.

 

في الختام:

 

أكرر الترحيب بدولة الأخ رئيس مجلس الوزراء ونشكره على تكرمه بتدشين هذه الفعالية.

والشكر موصول لجميع الإخوة الحاضرين على حضورهم ومشاركتهم لنا هذا التدشين.

كما أنه من الواجب تقديم الشكر الجزيل للبنوك الراعية لهذا الحدث والبنوك التي تساهم في نجاح فعاليات هذا الأسبوع، وشكر خاص للإخوة في اللجنه التحضيرية وكل المساهمين في الإعداد والتحضير وتنظيم الفعاليات المختلفة للأسبوع وتهيئة كل ما يساعد على إنجاحها.

أكرر الترحيب بكم ... آملين أن نلتقي العام القادم ونحن في حال أفضل ومستقبل أجمل.

متعلقات