الدكتور باسل باوزير: العواقب القانونية والسياسية لتحركات محكمة الجنايات الدولية بشأن الحالة في فلسطين
الإتحاد نت

الدكتور باسل عبدالله محمد باوزير يشرح ويفصل تفاصيل العواقب القانونية والسياسية لتحركات محكمة الجنايات الدولية بشأن الحالة في فلسطين بتاريخ 20 مايو تقدم المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بطلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة لإصدار أوامر قبض فيما يتصل بالحالة في دولة فلسطين. حيث شملت هذه الطلبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة تحملهما "مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في آراضي دولة فلسطين خلال الفترة من 7 أكتوبر وما تلاها. كما طالب المدعي العام بطلبات مماثلة وفقاً لذات الأدلة والأسباب المعقولة، بحق رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ويحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة، وقائد كتائب القسام محمد الضيف.

من المهم قبل الحديث عن العواقب القانونية والسياسية المترتبة على هذه التحركات من قبل المحكمة الجنائية الدولية، أن نشير إلى أن المحكمة الجنائية الدولية ليست محكمة العدل الدولية. فمحكمة العدل الدولية هي إحدى هيئات الأمم المتحدة، وهي تحكم على الدول، وليس الأفراد، ويتولىمجلس الأمن فرض الالتزام بأحكامها. ومحكمة العدل الدولية هي التي تنظر حالياً الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل فيما يتعلق بالإبادة الجماعية في قطاع غزة وما زالت جلساتها مستمرة.

 

أما المحكمة الجنائية الدولية موضوع هذا المقال، فهي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة ولا ولاية لمجلس الأمن عليها، ولا يشترط أن تتحرك بناء على طلب تقدمه دولة ما إلى المحكمة لفتح تحقيق في قضية تدخل ضمن اختصاصها، فالمدعي العام للمحكمة يمكنه أن يفتح تحقيقاً من تلقاء نفسه، من خلال إجراءات ما قبل المحاكمة، فيرفع قائمة بالأشخاص الذين يريد إصدار أوامر اعتقال بحقهم، والجرائم التي يتهمهم بها والأدلة المؤيدة للجرائم، ويقرر بعدها قضاة دائرة الدائرة التمهيدية الأولى ما إذا كانوا سيوافقون على الطلب أم لا.

وبناء عليه، فإن الطلب الحالي ما زال قيد النظر من قبل الدائرة التمهيدية الأولى حيث قد تأخذ به وقد ترفضه وقد تعيده مرة أخرى للمدعي العام للتعديل عليه.

ووفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن المحكمة تتمتع بسلطة النظر في 4 جرائم:

● الإبادة الجماعية، وهي عمل يهدف إلى تدمير مجموعة معينة.

● جرائم الحرب، هي جرائم تنتهك قوانين الحرب.

● الجرائم ضد الإنسانية، هي أعمال عدوانية ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل أو التعذيب أو النقل.

● جرائم العدوان هي التخطيط والإعداد والتنفيذ لهجوم مسلح من قبل دولة ضد دولة أخرى.

وكما أشرنا أعلاه فإن المحكمة الجنائية الدولية الغرض منها هو تقديم الأفراد الذين ارتكبوا إحدى الجرائم الأربع الخاضعة لولايتها القضائية إلى العدالة. وللقيام بذلك، تصدر المحكمة أوامر اعتقال، ويعتمد مدى تطبيق هذه الأوامر على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، التي يبلغ عددها 124 حتى الآن.

بالنسبة لإسرائيل فهي ليست عضواً في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، إلا أن السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2015،انضمت إلى نظام روما الأساسي، بعد أن صدر قرارالجمعية العامة للأمم المتحدةفي عام 2012 الذي تم بموجبه قبول السلطة الوطنية الفلسطينية كدولة مراقبة في الأمم المتحدة. وقد أدى ذلك إلى أن محكمة الجنايات الدولية قبلت عضوية السلطة الفلسطينية في نظام روما الأساسي واعتبارها دولة لغايات الولاية القضائية للمحكمة التي تشمل آراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ورغم عدم عضوية إسرائيل في المحكمة كما ذكرنا، إلا أنه يمكن للمحكمة أن تحاكم أي مواطن ارتكب جريمة في آراضي إحدى الدول الأعضاء، وبطبيعة الحال فإن الحكومة الإسرائيلية تنفذ عمليات عسكرية في آراضي السلطة الوطنية الفلسطينية التي تدخل آراضيها ضمن الاختصاص القضائي لمحكمة الجنايات الدولية، ويعتبر ذلك كافياً لإصدار المحكمة مذكرات اعتقال بحق القادة الإسرائيليين، رغم أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية.

وبالتالي، لن يتمكن أي شخص ممن شملتهم مذكرات الاعتقال سواء من المسؤولين الاسرائيليين أو الفلسطينيين من أن تطأ أقدامهم أي دولة من الدول الأعضاء في المحكمة دون التعرض لخطر الاعتقال. وتشمل هذه الدول الغالبية العظمى من الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء ودول شرق آسيا، ومن الدول العربية الأردن وتونس فقط.

وستكون لمذكرات الاعتقال أيضاً عواقب سلبية ذات طابع سياسي وقانوني على إسرائيل بالذات، حيث ستضر تحركات المحكمة الجنائية الدولية بالدعم المادي والمعنوي الذي تتلقاه إسرائيل من كثير من دول العالم التي سوف تدرس ما إذا كانت ستواصل إرسال شحنات الأسلحة إلى اسرائيل، خوفاً من أن تصبح متواطئة في جرائم حرب، وقد يتعرض "الغطاء الدولي" الذي حصلت عليه إسرائيل في بداية الحرب لضرر كبير. كما إن مذكرات الاعتقال في حال صدورها من المحكمة الجنائية الدولية قد تشجع على فرض عقوبات إضافية على إسرائيل بالتوازي مع القضية المنظورة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

لقد أحسنت السلطة الوطنية الفلسطينية صُنعاً عندما انضمت إلى نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، الذي أصبح إحدى أهم وسائل "المقاومة القانونية" للاحتلال الإسرائيلي، فالسلطة الوطنية الفلسطينية، على عكس حماس، تدرك أن الساحة التي تضعف فيها إسرائيل ليست الساحة العسكرية بل الساحة الدولية، وأصبحت محكمة الجنايات الدولية الآن عاملاً مهماً في المقاومة القانونية للفلسطينيين، فالمحكمة مستقلة عن مجلس الأمن ولا يستطيع أي من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن - الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا أو فرنسا أو الصين أو بريطانيا العظمى - أن يوقف التحقيق الذي تجريه المحكمة.

 

ملاحظة عن الكاتب 

*الدكتور باسل عبدالله محمد باوزير 

هو أستاذ القانون الدستوري وخبير قانون دولي.

متعلقات