ماذا يجري في وزارة الخارجية؟
الإتحاد نت

تعيينات غامضة وأسئلة عن الشفافية والكفاءة

 

متابعة ؛قسم الرصد والتحليل

 

تعيش وزارة الخارجية اليمنية منذ فترة حالة غموض وإرباك أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية، على خلفية تسريبات وأخبار عن تعيينات جديدة شملت أسماء مثيرة للجدل، بعضها مرتبط بجهات معادية للشرعية، وبعضها الآخر منقطِع عن العمل منذ أكثر من عقد من الزمان. هذه الأنباء التي تناقلها ناشطون ووسائل إعلام محلية، فتحت الباب أمام تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذه القرارات والمعايير التي بُنيت عليها.

 

عودة المنقطعين وذوو الجنسيات المزدوجة

 

تتحدث الأنباء عن تعيين أفراد كانوا منقطعين عن العمل الدبلوماسي لما يقارب 10 إلى 15 سنة، وبعضهم يحمل جنسيات أجنبية أو يقيم في الخارج ويدير أعمالًا تجارية في عواصم الاغتراب. وهو ما يثير علامات استفهام كبيرة: كيف يمكن لشخص غائب عن العمل العام لسنوات طويلة، أو لمن فقد ارتباطه بالمؤسسة الرسمية، أن يعود إلى موقع حساس في تمثيل الدولة دون تقييم مهني واضح أو معايير اختيار معلنة؟

 

هذا النوع من القرارات لا يمس فقط كفاءة الأداء الدبلوماسي، بل يضرب في الصميم مبدأ العدالة والمهنية داخل السلك الخارجي، ويضعف ثقة الكوادر النشطة التي تعمل بصمت منذ سنوات دون أن تحظى بإنصاف أو تقدير.

 

التوازن المناطقي… أم التحيّز الممنهج؟

 

اللافت أكثر هو ما يقال عن أن معظم التعيينات الأخيرة — بنسبة تصل إلى 95٪ — جاءت من منطقة جغرافية واحدة. وإذا صحّ ذلك، فهو مؤشر خطير على انزلاق الوزارة نحو المحاصصة والمناطقية المقيتة، بدلًا من تمثيل وطني متوازن يعكس تنوّع اليمن واتساعه.

المناطقية، كما أثبتت التجارب، لم تكن يومًا مدخلًا لبناء دولة أو مؤسسة محترفة، بل كانت دائمًا سببًا للانقسام، وإضعاف القرار، وتحويل الوظيفة العامة إلى أداة نفوذ سياسي وشخصي.

 

المطلوب: الشفافية والمسؤولية

 

في ظل هذا الجدل، تبرز الحاجة إلى موقف شفاف من قيادة الوزارة. فالمسؤولية تقتضي أن يخرج وزير الخارجية ليقدّم للرأي العام كشفًا بأسماء المعيّنين الجدد، ومناطقهم، ومواقعهم السابقة، والمعايير التي تم بموجبها إصدار قرارات التعيين.

الشفافية ليست ترفًا، بل هي واجب أخلاقي ومؤسسي، وغيابها يعني ترك المجال للشائعات والتأويلات التي تسيء لسمعة الوزارة ولدورها الوطني والدبلوماسي في الخارج.

 

أزمة أوسع في المشهد الجنوبي

 

ولا يمكن فصل ما يحدث في وزارة الخارجية عن السياق السياسي العام، وخصوصًا في المحافظات الجنوبية التي تُسيطر فيها قيادة المجلس الانتقالي. فبدلًا من أن تقدّم نموذجًا مختلفًا في الإدارة والانضباط المؤسسي، نجدها غارقة في الحسابات الشخصية وتقاسم المناصب، بعيدة عن هموم الناس ومعاناتهم المعيشية.

لقد تحوّل المشروع الجنوبي، الذي رُفع تحت شعارات التحرير وبناء الدولة، إلى ساحة تنازع نفوذ ومصالح، وفقدت القيادة بوصلة الأولويات. فلا انفصال تحقق، ولا دولة بُنيت، ولا خدمات توفرت. حتى في إدارة العداء أو التفاوض، فشلت النخبة الجنوبية في الحفاظ على موقف منسجم أو رؤية واضحة.

 

فشل مزمن ووعي غائب

 

الواقع المؤلم أن الجنوب، في ظل هذه النخب، فشل في كل شيء تقريبًا: في إدارة الدولة، في تقديم الخدمات، في تحقيق الأمن، وفي صياغة مشروع وطني جامع. ما زال الخطاب نفسه قائمًا على التباكي وإلقاء اللوم على الشمال، بينما تستمر القيادات في تدوير الأعذار وبيع الأوهام.

لقد نجحوا فقط في تضخيم الشعارات وتجميل الفشل، بينما عجزوا عن تقديم نموذج عملي واحد يحترم المواطن أو يبني مؤسسات حقيقية.

 

كلمة أخيرة

 

المرحلة لا تحتمل المزيد من التضليل. الحل لن يأتي من فوق، بل من وعي الشعب نفسه. على الشارع أن يصحو من صدمة توقعاته الزائفة، وأن يدرك أن الخلاص يبدأ من مواجهة الحقيقة، لا من ترديد الأكاذيب القديمة.

الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالشعارات ولا بالمناطقية، بل بالشفافية، والمحاسبة، والعمل بضمير حي.

متعلقات