عدن اليوم… المرآة المكسورة .
.

سمير الوهابي

 

   بعد أن غاص القمندان في ذاكرة أحياء عدن وجمال إنسانها، نصل اليوم إلى عدن الحاضرة، المدينة التي فقدت وهجها التاريخي، وتحولت من بوابة المجد الإنساني إلى مرآة للخراب والفوضى والجوع.

  سقاكِ يا عدنٌ من السحائب بل غيثٌ من الشهد أو درٌّ من اللبن.               سقى ربى اليمن الميمون           عارضُ يجري بالشآبيب.                 من صنعا إلى جُبن.

اليوم، تلك السواقي التي كانت تجلب الخير والعيش، تحولت إلى أنهار من العوز والخذلان. 

    °  تهدم التعليم وصروح العلم      كانت عدن مدينة العلم والمعرفة، من مدارسها خرج القضاة والعلماء والمثقفون والبحارة.

   كان العلم تاجًا يعلو على رؤوس الناس، كما يشير القمندان في قصيدته:

    قُلْ للشّبيةِ نبغي هكنا لَكُمُ تاجاً من العلم يمحو الجهلَ في اليمن.

لكن اليوم.. المدارس عانت الكثير، من سياسة تجويع المعلم، إلى تجويع عامة الشعب، وانعدام الكتاب المدرسي، وتراجع التربية والتعليم. أساتذة الكليات يعانون إنعدام الرواتب لاشهر، وحياة معيشية صعبة، وتراجع مستوى الطلاب والطالبات . القيم الأخلاقية والمعرفية تلاشت تحت ضغط الفساد، وانعدام حقوق المواطنيين، وحياة معيشية مقرفة، والجهل عشعش في نفوس الكثيرين. 

    لقد تراجع المستوى التربوي بشكل كارثي، وصار الشباب يفتقدون القدرة على التحصيل والتمييز بين الصواب والخطأ. الجوع والفقر، هوامير يأكلوا طعام الشعب، نهبوا الاراضي وتوقفت الأعمال، وصعوبة الوصول لوجبة الفطور لطلاب وطالبات المدارس. الفوضى التي اجتاحت المدينة ليست فقط سياسية، بل اقتصادية وإنسانية. الناس البسطاء يعانون من ندرة الغذاء والماء والكهرباء، بينما تستفيد قلة من الهوامير والشلليات من الموارد. عدن التي كانت مرجعًا للتجارة والثقافة، صارت مسحوقة تحت أقدام الطمع واللامبالاة. تراجع السلوك الاجتماعي الايجابي، وايضا الأخلاق. لم تعد الأخلاق تشكل قاعدة للتعاملات اليومية، فقد اختلط الصدق بالكذب، والشجاعة بالنفاق. حتى الأحياء التي ذكرها القمندان: القطيع، الزعفران، الخساف، العيدروس… أصبحت شاهدة على الانقسامات والنزاعات، تلك التي كانت تصنع الإنسان العدني، صارت تفرز الضياع والاغتراب النفسي، بسبب اوضاع معيشية واجتماعية وصحبة صعبة . المعالجة استعادة القبس القديم. لكن رسالة القمندان تظل حاضرة: > ما زال مِنْهُمُ فيكم كامناً قبسٌ يجري مع الدم لم يُوْهَنْ ولم يَهُن القبس لم يمت. لا تزال في عدن شرارة المجد ممكنة، إذا: 1. أعيد التعليم والمعرفة إلى قلب المدينة. 2. عادت القيم الأخلاقية لتشكل قاعدة التعامل بين الناس. 3. تحرك المجتمع المدني لمواجهة الفساد والنهب والفوضى. 4. استُعيدت الهوية العدنية التي كانت تجمع بين كل الأحياء والطبقات. إن عدن لا تحتاج إلى المعجزات، بل إلى أرواحٍ شريفة تعيد المدينة إلى الإنسان قبل المكان. فحين يعود الإنسان العدني إلى عاداته الكريمة، يعود البحر يرحب بالسفن، وتعود المدارس تعج بالطلاب، وتعود الأحياء تغني بالأمل.

متعلقات